هلال رمضان بين الحساب الفلكي والرؤية

مع التعقيب باللون الأحمر من قبل الدكتور رامي

محمد شوكت عودة

Image

قال تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} )البقرة 189)، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له" (رواه البخاري، ومسلم بلفظ "أغمي").

يختلف المسلمون كل سنة في تحديد بداية ونهاية شهري رمضان وشوال، وقد يصل الاختلاف إلى أربعة أيام أحيانًا، فتعلن دول بداية الشهر الهجري بناء على الحسابات الفلكية، وتعلن أخرى بداية الشهر في يوم ثانٍ بناء على رؤية الهلال، وفي نفس الوقت تعلن دول أخرى بداية الشهر الهجري في يوم ثالث بناء على رؤية الهلال أيضا. فما سبب كل هذا الاختلاف؟ وما حقيقته؟

رؤية الهلال بين الممكن والمستحيل

القمر لا يشرق دائما ليلا ويغرب نهارا كما يعتقد الكثيرون!

يدور القمر حول الأرض مرة واحدة كل 29.5 يوما تقريبا كمتوسط، وأثناء دورانه هذا نراه بأطوار مختلفة: مبتدئًا بالمحاق، ومروراً بالهلال المتزايد، ثم التربيع الأول والأحدب المتزايد، ثم البدر والأحدب المتناقص، ثم التربيع الثاني، ثم الهلال المتناقص، وعودة مرة أخرى إلى المحاق.

وفي كل يوم تشرق الشمس من جهة الشرق صباحا، وتغرب في جهة الغرب بعد حوالي 12 ساعة تقريبا، وكما أن الشمس تشرق وتغرب فالقمر أيضا يشرق ويغرب، ولكنه لا يشرق دائما ليلا ويغرب نهارا كما يعتقد الكثيرون! فالقمر يشرق كل يوم في موعد يعتمد على طوره؛ فعندما يكون القمر محاقا فإنه يشرق مع الشمس ويغيب معها تقريبا. وعندما يكون تربيعا أولا فإنه يشرق عند منتصف النهار ويغيب عند منتصف الليل تقريبا. أما عندما يكون بدرا فإنه يشرق مع غروب الشمس ويغرب مع شروق الشمس. وعندما يكون هلالا جديدا (متزايدا) فإنه يشرق بعد شروق الشمس بقليل ويغرب بعد غروب الشمس بقليل. ولرؤية هلال الشهر الجديد في السماء الغربية فإننا نقوم بتحري الهلال في اليوم التاسع والعشرين من الشهر الهجري، ولا بد من توفر شرطين أساسيين تستحيل رؤية الهلال بغياب أحدهما:

أولا: أن يكون القمر قد وصل مرحلة المحاق (الاقتران) قبل غروب الشمس؛ لأننا نبحث عن الهلال، و هو -أي الهلال- مرحلة تلي المحاق، فإن لم يكن القمر قد وصل مرحلة المحاق فلا جدوى إذن من البحث عن الهلال.

التعقيب :

وهذا مهم لنفي الرؤية الغير شرعية كما حصل منذ سنتين تقريباً عندما صامت شمال نيجيريا مع يوم الجمعة والقمر لم يولد بعد خلافاً لكل الأمة الإسلامية .

ثانيا: أن يغرب القمر بعد غروب الشمس؛ لأن تحري الهلال يبدأ فور بداية اليوم الهجري الجديد عند غروب الشمس، فإذا كان القمر سيغيب أصلا قبل غروب الشمس أو معها؛ فهذا يعني أنه لا يوجد هلال في السماء نبحث عنه بعد الغروب.

فإذا لم يتوفر أحد الشرطين السابقين؛ فإن إمكانية رؤية الهلال تسمى "مستحيلة". ولكن حدوث الاقتران قبل غروب الشمس وغروب القمر بعد غروب الشمس غير كافٍ حتى تصبح رؤية الهلال ممكنة؛ فهل يمكن رؤية الهلال إذا غرب بعد دقائق معدودة من غروب الشمس مثلا؟ بالطبع لا، وذلك لأسباب عدة، منها:

أولا: غروب القمر بعد فترة وجيزة جدا من غروب الشمس يعني أنه ما زال قريبا من قرص الشمس، وأن طور المحاق (الاقتران) قد حدث قبل فترة قصيرة من غروب الشمس؛ فعند الغروب لم يكن القمر قد ابتعد ظاهريا في السماء مسافة كافية عن الشمس حتى تبدأ حافته بعكس ضوء الشمس ليرى على شكل الهلال.

التعقيب :

مسألة زاوية الاقتران المطاطة مع هذه المسألة هي لب ما أقصده في مقالاتي حول عدم صلاحية ما هو ظني الدلالة في علم الفلك لنسف الرؤية الشرعية الصحيحة .

 وهي للأسف لا ضوابط لها ( فقد اتفقوا على نفي الرؤية تحت 7 درجات كما نص العجيري في أحد كتبه ثم شوهد الهلال تحت زاوية اقتران 4 درجات في مدينة الملك عبد العزيز منذ سنتين تقريباً كمثال )

 وللأسف المناطحة بهذه الهلاميات  هي سبب مأساة الشرعيين مع الفلكيين عندما يرموا بأن الوقت غير كاف لرؤية الهلال وتقيم القضية فلكياً على حسابات حدود سياسية ما دون النظر لطبيعة هلال رمضان العالمية وقد حدث نفي كمثال واستحالة لرؤية أحد السنوات ( 5 سنوات قبلاً كما أذكر ) ثم ثبت أن القمر يغيب في جزر مارشال بعد فترة كافية من غياب الشمس وهي نظرياً تكفي لرؤيته وتكفي لكشف العطب في تصريحات الاستحالة الفلكية المعارضة المتكررة لكثير من سنوات .

بالرجوع إلى تاريخ الرؤية الشرعية الصحيحة في المملكة خصوصاً وما أحدثه الفلكيون من تشكيك لصحتها ، والتي يستند لها الفلكيون مؤخراً لقوتهم الإعلامية والبرمجيات الملونة التي يستخدمونها بدقة لتثبيت رأيهم ورؤيتهم الخاصة ، وذلك ضمن محاولة لاحتكار مرجعية تحديد مناسبات الأمة ومن ثم لنسف مصداقية الرؤية الشرعية _( المرتبطة بالرؤية الشرعية كثابتة من ثوابت الدين المأمورين بالعض عليها بالنواجذ)..

 متعللين بحجج كثيرة ومنا ملايين الدولارات المنفقة على المراصد الفلكية والتي بينت سابقاً كونها أقل من دقة وعظمة جهاز مراقبة الهلال الموهوب من الله للإنسان ألا وهو العين !

ثانيا: إذا نظرنا إلى جهة الغرب لحظة الغروب فسنلاحظ الوهج الشديد للغسق قرب المنطقة التي غربت عندها الشمس؛ فإذا ما وقع القمر في تلك المنطقة فإن إضاءة الغسق الشديدة ستحجب إضاءة الهلال النحيل.

ثالثا: إن وقوع قرص القمر قرب قرص الشمس وقت الغروب يعني أن القمر قريب جدًّا من الأفق وقت رصده، ووقوع القمر قرب الأفق سيؤدي إلى خفوت إضاءته بشكل كبير جدًّا؛ فنحن لا نستطيع النظر إلى الشمس وقت الظهيرة، في حين أنه يمكن النظر إليها وقت الغروب بارتياح أحيانا؛ وذلك لأن أشعة الشمس وقت الغروب تسير مسافة أكبر في الغلاف الجوي؛ مما يؤدي إلى توهين، وتشتت أشعتها، ولا يصلنا منها إلا القليل. وهذا ما يحدث للهلال أيضا فالغلاف الجوي عند الأفق كفيلٌ بأن يشتت جميع إضاءة الهلال فلا نعود نراه.

نستنتج مما سبق أن قرص القمر يجب أن يكون على ارتفاع مناسب عن الأفق الغربي، وأن يبتعد مسافة كافية عن قرص الشمس حتى تزداد نسبة إضاءته، ولكي يبتعد عن وهج الشمس وبالتالي يزداد سطوعه.

وإذا حدث الاقتران قبل غروب الشمس وغرب القمر بعد غروب الشمس، ولكنه لا يمكن رؤية الهلال لأحد الأسباب الثلاثة سالفة الذكر؛ فإن رؤية الهلال تسمى "غير ممكنة".

اختلاف الدول الإسلامية.. وأسبابه

وتختلف الدول الإسلامية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية للأسباب التالية:

1 - تدعو بعض الدول الإسلامية المواطنين لتحري الهلال؛ فإذا جاء من يشهد برؤية الهلال قبلت شهادته حتى لو دلت الحسابات الفلكية على أن رؤية الهلال مستحيلة أو غير ممكنة؛ وهو ما يحصل حاليًّا في العديد من الدول الإسلامية.

التعقيب :

للأسف هذا صحيح ناجم عن وهن الأمة وعدم اجتماع كلمتها وهو ما أقصد به من كلامي ( قطعي الدلالة الفلكي الذي يصلح أن يستند له بل هو ما نقل عن السلف حول حكمهم  الواجب في رد شهادة من شهد بالرؤية ، قبل ولادة الهلال ( المحاق )

2 - في دول إسلامية أخرى ترد شهادة الشاهد إذا كانت رؤية الهلال مستحيلة ولكنها تقبلها حتى لو كانت غير ممكنة، ومثال ذلك المملكة العربية السعودية (ابتداء من عام 1419 هـ).

التعقيب :

( غير ممكنة عبارة مطاطة غير قطعية الدلالة ومثال ذلك ما ذكرته سابقاً عندما كانت ممكنة في جزر مارشال منذ 5 سنوات تقريباً وأقام الفلكيون الدتنيا وأقعدوها على رأس المملكة واعتمادها على الرؤية الشرعية الصحيحة ) فمن يقرر قضية غير ممكنة لم يكن أميناً في الحساب ولا يجب أن يعتمد على حساباته المقولية ضمن حدود سياسية أو منظار سياسي ما دون الموضوعية العلمية .

3 - وهناك دول إسلامية لا تعتمد رؤية الهلال أصلا؛ بل تعتمد شروطا فلكية معينة. ومثال ذلك ليبيا التي تعلن رسميا أنها لا تعتمد رؤية الهلال؛ بل يبدأ الشهر الهجري في ليبيا إذا حدث الاقتران قبل الفجر.

التعقيب :

خلاف المأمور به شرعاً للأسف بالرغم من موافقتهم للحسابات المقررة يقيناً من التقويم الهجري الأبدي لأكثر من عام دون الكوكبة الأكبر من الدول الإسلامية ( 1428 كمثال ) .

4 - للأسف.. إن معظم الدول الإسلامية لا تتحرى الهلال على مستوى رسمي؛ بل تكتفي بدعوة المواطنين للتحري! فالدولة العربية الوحيدة التي تتحرى الهلال كل شهر (وليس فقط رمضان وشوال) بشكل رسمي وتعلن نتائج التحري رسميا وبشكل فوري عبر وسائل الإعلام هي المملكة المغربية؛ فهي تتحرى الهلال من حوالي 270 موقعا موزعا على مختلف أنحاء المملكة المغربية، وتشارك القوات المسلحة بعملية التحري أيضا، وحسب اعتقادنا فإن المملكة المغربية هي أفضل دولة عربية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية، وكذلك فإن نظام التحري في سلطنة عمان مشابه لذلك، ولكن يبقى النظام المغربي هو الأفضل.

وفي المقابل فإن معظم الدول الإسلامية تدعو المواطنين لتحري الهلال، وتقبل شهادة أي مواطن برؤية الهلال، مع العلم أن هذا الشاهد قد لا يكون على علم بوقت ومكان الهلال ولا حتى بشكله، فإذا ما شاهد أي جرم في السماء اعتقده الهلال. فعلى سبيل المثال صام ملايين المسلمين في السعودية عام 1984م 28 يوما فقط؛ لأن أحد الشهود رأى كوكبي عطارد والزهرة فاعتقدهما الهلال!.

التعقيب :

رددنا على هذه الشبهة سابقاً وكانت الرؤية صحيحة ولكن التعصب للمذهب الفلكي ( وخروجه عن الموضوعية يومها )  جر الأستاذ عودة لهذا الكلام يومها وهو لب الخلاف ويبدو أن عطارد المقصود يومها هو عطارد آخر من مجموعة شمسية أخرى ورمضان آخر لكائنات أخرى حية خارج درب التبان!.

إن تحري الهلال بشكل جماعي قد يكون ضرورة لا مفر منها؛ فهو الطريقة الأمثل لتأكد الشاهد بأن ما يراه هو الهلال وليس شيئا آخر.

 التعقيب :

طريقة والدي العلامة محمد كاظم حبيب شافاني ربي وإياه ، هي الأدق وذلك من خلال رصد الهلال عبر الشهر ومعرفة صحة تقويم ما من خلال علامات كثيرة .

5- تأخذ بعض الدول الإسلامية بمبدأ اتحاد المطالع؛ فإذا علمت أن إحدى الدول قد أعلنت ثبوت رؤية الهلال فإنها تتبعها فورا حتى دون التأكد من صحة رؤية الهلال، ومثال ذلك الأردن.

وفي المقابل فإن بعض الدول الإسلامية تأخذ باختلاف المطالع، ولا تقبل رؤية الهلال إلا من داخل أراضيها، ومثال ذلك السعودية؛ فعند تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1420هـ أعلنت اليمن ثبوت رؤية الهلال يوم 07-12-1999م، وعليه كان يوم 08-12-1999م أول أيام شهر رمضان في اليمن. وقد ذكر البيان الرسمي اليمني أسماء ووظائف الأشخاص الذين شهدوا برؤية الهلال، وكان من بينهم أئمة مساجد، إلا أن السعودية أهملت بيان ثبوت رؤية الهلال من جارتها اليمن، وبدأت الصيام يوم 09-12-1999م.

ومثال ذلك أيضا ما حدث في تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1424هـ؛ حيث أعلنت كل من اليمن والأردن وفلسطين ومصر ثبوت رؤية الهلال يوم 25-10-2003م، وعليه بدأت هذه الدول صيامها يوم 26-10-2003م، إلا أن السعودية أهملت جميع هذه البيانات الرسمية، وبدأت صيامها يوم 27-10-2003م.

التعقيب :

وهذا إنصاف من الأستاذ عودة وتقرير لقضية مهمة وهي أن الأولى أن يعمل بإجماع المؤتمرات الفقهية ( ومنها مؤتمر توحيد الأهلة جدة 1998)  التي نصت على هذه القضية .

التصورات الفقهية

ما سلف ذكره هو بعض من الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى اختلاف الدول الإسلامية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية، ويعزى بعض هذه الأسباب إلى الاختلافات الفقهية لكل جهة؛ ففي كل عام يتكرر السؤال نفسه وهو: "هل نتبع الحسابات الفلكية أم رؤية الهلال؟". وقد نوقشت هذه المسألة من قبل العديد من الفقهاء وعلماء الفلك، ولكنها في أغلب الأحيان لم تناقَش بشكل واضح يبرز للقارئ بعض الحقائق الفلكية أو الفقهية المتعلقة برؤية الهلال. فقد رأى بعض الفقهاء جواز الاعتماد على الحسابات الفلكية، ولكن كان لكل فقيه تصور معين لهذا الجواز، ونلخص ذلك بالآتي:

1 - أجاز بعض الفقهاء اعتماد الحساب الفلكي في النفي فقط؛ بمعنى أنه إذا جاء من يشهد برؤية الهلال، ودلت الحسابات الفلكية على أن رؤية الهلال مستحيلة أو غير ممكنة؛ فإن هذه الشهادة ترد. ومن أشهر القائلين بهذا الرأي تقي الدين السبكي وهو من كبار الفقهاء الشافعية في النصف الأول من القرن الثامن الهجري؛ فقد ذكر السبكي في فتاواه أن الحساب إذا نفى إمكانية الرؤية البصرية؛ فالواجب على القاضي أن يرد شهادة الشهود، قال: "لأن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان، والظني لا يعارض القطعي، فضلا عن أن يُقَدم عليه". وذكر أن من شأن القاضي أن ينظر في شهادة الشاهد عنده، في أي قضـية من القضــايا؛ فإن رأى الحـس أو العـيان يكذبها ردهـا ولا كـرامة.

قال: "والبينـة شـرطها أن يكون ما شهدت به ممكنا حسًا وعقلا وشرعًا، فإذا فرض دلالة الحساب قطعًا على عدم الإمكان اسـتحال القول شرعًا، لاسـتحالة المشــهود به، والشرع لا يأتي بالمســتحيلات. أما شهادة الشهود فتحمل على الوهم أو الغلط أو الكذب" (موقع إسلام أون لاين 2004)، وممن قال بهذا الرأي من المتأخرين محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر، والشيخ علي الطنطاوي (القضاة 1999)، والشيخ عبد الله بن منيع. ومن القائلين بهذا الرأي أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والقرافي وابن رشد (منيع 2004).

التعقيب :

وهو مذهبي في تقليد الأجلاء من العلماء وموافقة العلم الحديث في يقينياته القطعية الدلالة .

2 - أجاز بعض الفقهاء اعتماد الحساب الفلكي في النفي والإثبات؛ فقد زاد مؤيدو هذا الرأي عن أصحاب الرأي السابق أنه إذا دلت الحسابات الفلكية على وجود القمر بعد غروب الشمس بوضع يسمح برؤيته كهلال؛ فإنه يؤخذ بالحسابات الفلكية، ويكون اليوم التالي أول أيام الشهر الهجري دون اشتراط رؤيته بالعين المجردة. ومن أشهر القائلين بهذا الرأي قديما مُطرِّف بن عبد الله من كبار التابعين، وأبو العباس بن سريج من كبار الشافعية في القرن الثالث الهجري، وابن قتيبة الدينوري. ومن أشهر من قال به في عصرنا الشيخ أحمد شاكر، والشيخ مصطفى الزرقا، والدكتور يوسف القرضاوي (القضاة 1999).

 التعقيب :

 وهذا يناصر ما ذهبت له ليبية هذا العام ( استناداً على تصريحات الفلكي الشايعي ) وما ذهب له التقويم الهجري الأبدي في حساباته اليقينية.( الأربعاء 12-9-2007كغرة لرمضان 1428)

3- الفريق الآخر من الفقهاء لم يُجز استخدام الحساب الفلكي لا في النفي ولا في الإثبات؛ فإذا ما جاء من يشهد برؤية الهلال قبلت شهادته، حتى إذا وجدت حسابات فلكية تدل على أن القمر لم يكن موجودا في السماء في ذلك الوقت. ومن القائلين بهذا الرأي الشيخ ابن باز، وقد يكون ذلك لاعتقاد أصحاب هذا الرأي أن الحسابات الفلكية غير دقيقة أو غير قطعية، أو لعدم التفريق بين الفلكي والمنجم، أو لكلا السببين.

التعقيب :

لا يصح أن يقال أن الوالد سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله لم يعرف التفريق بين علماءالفلك والدجاجلة!

والأولى طبعاً التفريق بين ما هو قطعي الدلالة وما هو ظني الدلالة ( رأي السبكي رحمه الله ) وأن تعود الأمة لعلماءها الربانيين وعلومهم وهم ممن وصفوا بقوله تعالى :

  لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً

..ونحسب حسابات العلامة والدي محمد كاظم حبيب منهم ولا نزكيه على الله  .

إن بعض الفلكيين يقومون بإجراء الحسابات الفلكية؛ فإذا ما وجدوا أن القمر يغيب بعد الشمس ولو بدقيقة، وأن الاقتران (المحاق) قد حدث قبل غروب الشمس ولو بدقيقة اعتبروا اليوم التالي أول أيام الشهر الهجري الجديد. واحتجوا بذلك بقول الفقهاء الذين أجازوا استخدام الحساب الفلكي في الإثبات والنفي، ولكن في الحقيقية إن هذا الاحتجاج لا يصلح أبدا؛ لأن الفقهاء الذين أجازوا استخدام الحسابات الفلكية للإثبات أجازوها عندما تدل الحسابات الفلكية على أن القمر قد أصبح في طور الهلال، وليس والقمر في طور المحاق! فحدوث الاقتران (المحاق أو ما يسميه البعض تولد الهلال) لا يعني أن القمر قد أصبح في طور الهلال! بل على العكس تماما فالاقتران (المحاق أو تولد الهلال) هو وصول القمر لذروة طور المحاق!

ويحتاج القمر إلى 12-18 ساعة تقريبا بعد الاقتران (المحاق أو تولد الهلال) لينتقل من طور المحاق إلى الهلال. ففي الحقيقة لا يوجد أي فقيه أجاز بدء الشهر الهجري بمجرد حدوث الاقتران؛ لأن ربط بداية الشهر الهجري بحدوث الاقتران هو ربط لمواقيت المسلمين بطور المحاق وليس الهلال! إلا أن الآية الكريمة قد صرحت بوضوح أن مواقيت المسلمين مرتبطة بالهلال وليس المحاق؛ فقال تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} )البقرة 189).

هل نتبع الحساب أم الرؤية؟

مما سبق نستنتج أنه لا يمكن الإجابة على سؤال "هل نتبع الحسابات الفلكية أم رؤية الهلال؟" دون تحديد المقصود بالحسابات الفلكية والمقصود برؤية الهلال.

فهل المقصود باتباع رؤية الهلال هو قبول شهادة أي شاهد برؤية الهلال حتى لو توفر العلم اليقيني الذي يفيد خطأ هذه الشهادة؟

 أو حتى قبولها في اليوم الثامن والعشرين من الشهر الهجري كما حدث في السعودية عام 1984م؟ يلاحظ المتمعن بهذا الرأي أنه في معظم الأحيان سيخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غُمّ عليكم فاقدروا له"؛ وذلك لأنه سيصوم ويفطر بناء على قول شخص إنه رأى الهلال مع وجود دليل قطعي يفيد أن الهلال لم يكن موجودا في السماء وقت ادعاء ذلك الشخص رؤيته! وعليه فقد صام المسلمون أو أفطروا بناء على رؤية كوكب الزهرة مثلا أو أي جرم سماوي أو غير سماوي آخر توهمه الشاهد على أنه الهلال!

التعقيب :

 هنا مربط الفرس ومكمن الخلط بين استحالة يقينية فلكية واستحالة توهمية على أرض من حدود سياسية ( مثال جزر مارشال منذ 4 سنوات ) أو تكرار الأستاذ كلامه عن كوكب زهرة وعطارد من خارج المجموعة الشمسية !!

وفي المقابل ماذا نقصد باعتماد الحسابات الفلكية؟ فبعض الفلكيين بالغوا بهذا الجانب لدرجة مطالبتهم ببدء الشهر بمجرد حدوث الاقتران (المحاق أو تولد الهلال) قبل غروب الشمس، وهذه مخالفة واضحة لأمر الله عز وجل الذي ربط مواقيت المسلمين بالهلال وليس بالمحاق (الاقتران أو تولد الهلال).

ومن هنا يبرز جليا أن التوفيق بين الرؤية والحسابات الفلكية ضرورة لا مفر منها؛ فكيف نقبل شهادة شخص برؤية الهلال ونحن نعلم أن القمر قد غاب قبل الشمس؟ وفي المقابل كيف نبدأ الشهر ولم يُر الهلال من أي منطقة في العالم الإسلامي كما يحدث في معظم الأحيان؟! ونحن نرى أن الاقتراحين التاليين قد يكون لهما الأثر الواضح في معالجة مشكلة تحديد بدايات الأشهر الهجرية في العالم الإسلامي:

يبرز جليا أن التوفيق بين الرؤية والحسابات الفلكية ضرورة لا مفر منها.

1 - أن تكون عملية تحري الهلال عملية رسمية جماعية

التعقيب :

الاقتراح صحيح لكن ضمن إطار العالم الإسلامي ككل لا ضمن حدود أي من الدول الإسلامية أو ضمنها سياسياً ( بعبارة أخرى : الواجب لحل المشكلة هو فك احتكار قرار الإعلان عن غرة رمضان من السياسي وإعادته للشرعي وهي قضية تدخل ضمن قاعدة "ويكون الدين لله" لا لذلك الملك أو ذا ) وأن يستخرج القرار بعيداً عن أي مناطق من مناطق الضغط السياسي لأي حكومة إسلامية .

وكمثال أن يستخرج القرار ضمن خيمة إسلام أون لاين على السكند لايف بإشراف هيئة من العلماء والفلكيين الموثوقين  وأن يلتزم به المسلمون بمجرد صدور رؤية شرعية ثابتة لأي مسلم لتوحيد المناسبات ضمن قارات آسية وأوربة وأفريقية على الأقل ( تشارك بعضها بجزء من الليل " مقررات مؤتمر جدة 1998 ")
 

 كما يحدث في المملكة المغربية؛ فتعين الدولة مناطق مختلفة تصلح لتحري الهلال، وتدعو المواطنين الراغبين بتحري الهلال بالتوجه لهذه المناطق، على أن يوجد في كل منطقة شخص ذو دراية بتحري الأهلة. ففي هذه الحالة من المستحيل أن يتوهم جميع الأشخاص الموجودين في مكان التحري رؤية الهلال، خاصة مع وجود شخص ذي دراية بتحري الأهلة. ومن الجدير بالذكر أن تحري الهلال في جمهورية جنوب أفريقيا يتم بشكل جماعي يشارك به ما يقارب 3000 شخص؛ ولذلك نجد أنه من شبه المستحيل أن يبدأ المسلمون في جنوب أفريقيا أشهرهم الهجرية بشكل خاطئ!

التعقيب :

 المشلكة نوعية لا كمية !
ولكن العبرة هي ضرورة تسويق الاهتمام بالتحري للأهلة وأن يسبقه دورات فلكية شرعية وكما قال والدي رحمه الله العلامة أبو عطاء :
إن ملايين الدولارات تنفق لكرة القدم ويغيب الإعلام المسلم للأسف عن أهم معلم حضاري إعلامي مميز للمسلمين وهو ولادة غرة رمضانهم كل عام فلانرى أي فضائية ترصد إلا ما رحم الله ( شكر الله لقناة المجد مؤخراً جهدها في هذا )

2 - في حالة شهادة أشخاص فرادى برؤية الهلال؛ فإنه يفترض توجيه بعض الأسئلة للشاهد للتأكد من أنه رأى الهلال وليس أي شيء آخر! كأن يسأل عن وقت ومكان رؤية الهلال، واتجاه فتحته، وارتفاعه عن الأفق، وكيف تحرك هذا الهلال أثناء مراقبته.. إنها أسئلة بسيطة ولكنها بالتأكيد ستنقح معظم الشهادات المغلوطة برؤية الهلال! قد يكون من غير المنطقي أن توجه هذه الأسئلة لشاهد برؤية الهلال وقت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لعدم دراية المسلمين في ذلك الوقت بالعلوم المتعلقة برؤية الهلال، أمَا وقد أصبح علم الفلك الآن منتشرا ويقينيا؛ فما المانع إذن من الاستئناس به، إذا كان هذا الاستئناس سيحقق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غُم عليكم فاقدروا له"؟

التعقيب :
التأصيل للضوابط  عبر المؤتمرات واللقاءات والتفاعليات التقنية الحديثة بين أهل الاختصاص الشرعي والموثوق من الفلكيين ،  قضية مهمة وأن تتفق عليها الأمة ولكن لا تترك القضية سائبة لتكون باباً للنيل من قواعد رصد الهلال الشرعية المؤصلة في المملكة وأن تستخدم هذه المائعات لجر البساط من تحت الرؤية الشرعية للرؤية الفلكية ( ذات الأغراض المجهولة والمخترقة من أعداء الإسلام لضرب ثوابت الدين كما أرصد منذ أعوام وتحديداً لنسف ثوابت المملكة الشرعية في هذا الباب )

قام بالتعقيب عن مؤسسة التقويم الهجري الأبدي الدولية

WWW.ISLAMSCHOOL.ORG/PHC

الدكتور رامي محمد ديابي

ماليزيا 4رمضان 14228 الموافق السبت 15-9-2007

========================

 

هوامش ومصادر:

- قضاة، شرف 1999. ثبوت الشهر القمري بين الحديث النبوي والعلم الحديث. دراسات، علوم الشريعة والقانون 26. 447-458.

- منيع، عبد الله 2004. التحديد الفلكي لأوائل الشهور القمرية. (http://www.islamtoday.net/ ).

- إسلام أون لاين 2004. الحساب الفلكي وإثبات الصيام والفطر. (http://www.islamonline.net ).


نائب رئيس لجنة الأهلة والتقويم والمواقيت - الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك