تعريف بعلم التقويم الهجري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

وتشتمل على العناصر التالية :  

أ‌)                                         حاجة الأمة إلى تقويم سليم وحساب قويم.

                                   لكل أمة في العالم تقويمها الذي تعتز به وينتسب إليها ويمثل تاريخها ودينها وحضارتها.

ج‌)                                    للأمة الإسلامية تقويمها الخاص بها الموصول بتاريخها وحضارتها ودينها وتشريعها.

د‌)                                        مشروعية "الرؤية" و"الحساب" في نصوص السُنة والكتاب.

ذ‌)                                        مفاضلة بين سلبيات وإيجابيات الاعتماد على الرؤية أو الحساب.

و‌)                                        الأساس الذي قامت عليه الحسابات اليقينية للتقويم الهجري الأبدي .

ي‌)                                     دور "التقويم الأبدي" في حسم النزاع المزمن وتوحيد الأمة على تقويم قويم واحد.

 

أ‌)                                         حاجة الأمة إلى تقويم قويم وحساب سليم :

"التقويم" ضرورة اجتماعية حضارية لا غنى لأي أمة من الأمم عنه في كل مجال من مجالات الحياة اليومية قديماً وحديثاً، الزراعية منها أو الصناعية أو التجارية أو العلمية أو غير ذلك وفي حالات السلم أو الحرب وللأفراد أو المؤسسات والوزارات وللدول أو للشعوب أو المجتمعات ولقد احتاج الإنسان إليه منذ فجر التاريخ وما زالت هذه الحاجة الملحة تتزايد على مدار الزمن حتى لم يعد بالإمكان تصور حياةِ الفرد أو المجتمع بدونه.  فمواعيد العمل والعطلات والأسفار ذهاباً وإياباً وحركة التعليم والامتحانات والاجتماعات والمراسلات والمعاملات وتسديد الفواتير والذمم وحركة المصانع والمؤسسات والمواصلات والاتصالات وحركة الطيران وغزو الفضاء وعقد المعاهدات في السلم والحرب كل ذلك وغيره لا ينضبط بدون تقويم سليم وحساب قويم!

 

ولعل الإنسان يمتاز عن غيره من المخلوقات بأمور منها أن "التقويم" في حياته لا غنى عنه ولا تستقيم بدونه العبادات ولا تنتظم المعاملات.  فكان من نعمة الله تعالى على الإنسان أن جعل له الشمس ضياءً والقمرَ نوراً وقدّره (أي القمر) منازلَ ليعلم عدد السنين والحساب.

  فكان الله عز وجل وجه أبصار البشر إلى السماء وبالأخص إلى القمر ليستنبطوا من حركته علمَ قياسِ الزمنِ ومعرفة عددِ السنين والشهور وحساب ذلك وهو ما عليه علم التقويم القمري.

  فقال جل شأنه:

 "هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب"

 وهو الحساب الفلكي الذي يقوم عليه نظام السموات والأرض وما بينهما ويضبط حركة العبادات والمعاملات في الأرض وحركة الأجرام الكونية في السماء ويوثق التاريخ والأحداث والسير فكل شيء عند الله بقدر، حركته وبقاؤه وزواله وتصميمه ومقاديره وزيادته ونقصانه كماً وكيفاً، زماناً ومكاناً، وما التقويم إلا سجل زمني يشتمل على خرائط الزمن مبيّناً عليها مواقع السنين والشهور والأيام.  فاليوم متولد من حركة الشمس والشهر متولد من حركة القمر والسنة عدة حساب عدد الأيام والشهور.

 وهذا كله يؤكد مقدار الحاجة إلى التقويم القويم القائم على الحساب السليم.  

  وفي الآية دليل على أن الله عز وجلّ هيأ للإنسان أسباب معرفة علم التقويم قبل أن يخلق الإنسانَ نفسه لأهميته في حياته‍‍.  

  وبين الله عز وجل مدة خلق السموات والأرض في آيات بينات وذلك في ستة أيام ربانية كل يوم منها بألف سنة قمرية وحدد الرسول الذي لا ينطق عن الهوى أول أيام تلك المدة وآخرها بدقة تتحدى اللبس والغموض فكان أولها يوم الأحد و آخرها يوم الجمعة.

 والحديث في صحيح البخاري. وخلق آدم في آخر يوم من أيام الخلق وهو يوم الجمعة سلخ ذي الحجة من عام 6000للخليقة وبدأت الحياة الإنسانية يوم السبت 1/محرم/من عام 6001 للخليقة.  وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا وستنتهي يوم يرث الله الأرض وما عليها في يوم ليس ببعيد.

 (انظر تفاصيل هذا الحساب في غير هذا الموضع ).  

وبالرغم من هذه التسهيلات الكونية الربانية لمعرفة عدد السنين والحساب فإن الأمة عانت وتعاني من فقدان التقويم القويم والحساب السليم الذي يتطابق مع الرؤية الشرعية وبلغت الشكاوى ذروتها على لسان صاحب "المنار" القاهرية ومحررها في عدد رمضان من عام 1345 هـ / 1927م

حيث قال :

 "وما زلنا منذ بلغنا سن الرشد إلى أن أدركنا سن الشيخوخة نسمع المسلمين يتألمون من الاضطراب والاختلاف الذي يحدث في إثبات أول شهر رمضان لأجل الصيام الواجب، وإثبات أول شوال لأجل الفطر الواجب في يوم العيد"

 وكان المسلمون من قبل ذلك ومن بعده وحتى الساعة يتألمون ويصابون بالإحباط في كل موسم من مواسم الصيام والأعياد وخاصة في بلاد الغرب ويتطلعون إلى اليوم الذي تتوحد فيه الأمة على تقويم واحد ويحلمون به منتظرين الفرج فلا يحصدون مع الأسف إلا الإحباط والحرج.

 

واليوم وبمحض فضل الله عز وجل ظهر "التقويم الهجري الأبدي" الذي يستمد حساباته ونتائجه اليقينية من حقائق القرآن والسنة النبوية فأصبح بالإمكان تحديد أوائل الشهور القمرية والأعياد والمناسبات الدينية لآمادٍ من القرون وأحقاب من السنين، مما يحمل معه بشارتين :

( الأولى) : بشارة مولد التقويم القمري الإسلامي العالمي الذي يتحدى – بعزة الله تعالى – بدقته المراصد العالمية في عصر غزو الفضاء وثورة العلوم التكنولوجية . بحيث إذا أجمعت الحسابات الفلكية على أمر يخالف التقويم الأبدي كان الصواب في جانبه حتماً .

و ( الثانية ) : إسدال الستار على الجدل المزمن بين أنصار الرؤية البصرية للأهلة وأنصار الحسابات الفلكية، وعلى الأخطاء الفاضحة للفلكيين كل عام حيث تتضارب حساباتهم مع الرؤية البصرية اليقينية الشرعية.  وينامون على أخطائهم ويمررونها بصمت وهم عالمون.

وفي الحقيقة يستحيل أن يتضارب العلم اليقيني مع الرؤية الشرعية اليقينية ولكن التضارب يكون بينهما إذا كان أحدهما أو كلاهما غير يقيني.

  فالحساب اليقيني السليم يحدد بدقة الليلة التي يظهر فيها الهلال الوليد. والرؤية البصرية اليقينية تؤكد ظهوره للعيان فتتضافر الرؤية والحساب وتنسجم السنة والكتاب ويزهق الزيف ويثبت الحق والصواب.

  وإذا حصل الخلاف فالعبرة أصلاً بالرؤية الشرعية اليقينية سلباً وإيجاباً بلا ارتياب وهو الحق الذي دلت عليه نصوص السنة والكتاب المبين والحمد لله رب العالمين.

 

 

ب‌-                               لكل أمة من أمم الأرض تقويمها الخاص بها

 

أجل لكل أمة من أمم الأرض تقويمها الخاص بها، به تعتز وإليها ينتسب، وبه تؤرخ أحداثها وأيامها وتحدد أعيادها ومناسكها فهو يمثل تاريخها ودينها وحضارتها.

  ويعتبر حافظ ذاكرتها وصندوق ذكرياتها وسجل أحداثها ورمز حضارتها ومرآة ثقافتها وإبداعها ولذلك وجدنا لأمم الهند والفرس والرومان واليهود والأقباط ولأهل الصين وغيرهم لكل أمة منهم تقويمها الذي طبعته بطابعها وأشربته نكهة عقائدها وحقنته بروح حضارة مجتمعاتها.

وكان يستحيل على أمة أن تؤرخ بتقويم أمة أخرى.  أو على أصحاب ديانة أن يؤرخوا بتقويم ديانة أخرى.

 فكان رجال الدين من كل أمة هم القيّمين على التقويم وسدنة حساباته وتحديد مواقيت أعياده ومناسباته وبداية شهوره وأطوالها وبيان طبيعة السنين وأحوالها من حيث البسط والكبس وغيرها.

ولذلك وجدنا مثلاً رهبان الرومان قوامين على تقويمهم وسدنة نار المجوس مسؤولين عن تقويمهم وكبار حاخامات السنهدرين من اليهود يختصون بتقويمهم والبابا غريغوري الثالث عشر على رأس لجنة تصحيح تقويم النصارى.

 ووجدنا ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعزف عن تقاويم الأمم المجاورة من اليهود والفرس والأقباط والرومان ويؤسس لأمة الإسلام تقويمها الخاص بها مستبعداً العمل بجميع التقاويم الوثنية المعروفة في عصره متمسكاً بالعمل بالتقويم القمري (الهجري) الذي حافظ على نقائه عبر الدهور وعصور الجاهلية فلم يتلوث بلوثتها كما هي حال التقاويم الأخرى التي خلعت أسماء الآلهة الوثنية على أسماء شهورها وأيامها فنجد مثلاً (شهر يناير اسماً لأحد آلهة الرومان وكذلك فبراير ومارس) ونجد الأيام الأسبوعية أيضاً تسمى بأسماء آلهة تعبد من دون الله فالأحد (سن ديي) يوم الشمس والاثنين (مَن ديي) يوم القمر وهكذا بقية الأسماء بخلاف أسماء الشهور العربية والأيام الأسبوعية فلم تتلوث بلوثة الجاهلية رغم طول العهد بها.

والسر في ذلك أن التقويم الهجري القمري تقويم رباني سماوي كوني توقيفي قديم قدم البشرية ليس من ابتداع أحد من الفلكيين وليس للفلكيين من سلطان على أسماء الشهور العربية القمرية ولا على عددها أو تسلسلها أو أطوالها ولا على طبيعة سنتها من حيث البسط والكبس ولا على عدد السنوات الكبيسة أو البسيطة في الدورة القمرية كل ذلك يتم بحركة كونية ربانية.

  وتم تحديد عدد الشهور السنوية في كتاب الله القويم :

"إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السموات والأرض منها أربعة حرم"

 كما وردت أسماء بعض الشهور والأيام في كتاب الله عز وجل مثل رمضان، والجمعة، والسبت، ووردت في السنة النبوية بقية الأسماء بحيث أصبحت تتداولها الأمة على مَّر القرون وقبلتها بقبول حسن بحكم أنها توقيفية ليس لأحد أن يغير فيها شيئاً أو يزيد أو ينقص منها شيئاً أو يستبدلها بغيرها أو يمس تسلسلها.

  والحكمة ما جاءت الأشهر الحرم على هيئتها التي هي عليها ثلاثة سرد وواحد فرد.

  في الوقت الذي عبثت أصابع الفلكيين بتقاويم الأمم الأخرى في كل جزئية من جزئياتها وهيئاتها وأسماء شهورها وأطوالها وتسلسلها (انظر التفصيل في مكان آخر) فهي تقاويم وضعية وثنية يتحكم فيها البشر بخلاف التقويم القمري الإسلامي فإنه لا سلطة للفلكيين ولا لغير الفلكيين عليه بحيث لا تستطيع الأمة ولو اجتمعت أن تستبدل اسم شهر بشهر أو موقع شهر بشهر أو تزيد فيه يوماً أو تنقص منه يوماً فهو تقويم كامل لا يحتاج إلى تعديل أو تصحيح وهو تقويم رباني، كوني، توقيفي، (غير وضعي)، كامل من تقدير العزيز العليم.

ج‌-                                 استقلالية التقويم الهجري الإسلامي حقيقة تاريخية وسنة مؤكدة

 

لما ثبت لدينا تاريخياً وباستقراء التقاويم المعروفة على وجه الأرض أن لكل أمة تقويمها الخاص بها

 (انظر الفقرة ب من المقدمة) كان حرياً بالأمة الإسلامية أن يكون لها تقويمها الخاص بها أيضاً والذي يختلف عن تقاويم الأمم الوثنية ولذلك وجدنا من ثاني الخلفاء الراشدين إعراضاً شديداً عن اتخاذ أي تقويم معروف في زمانه فاتخذ التقويم الهجري تقويماً للدولة الإسلامية الناشئة والأمة الإسلامية الوليدة.

 فأقدم على اتخاذ التقويم القمري الرباني تقويماً خاصاً بالأمة الإسلامية وجعل الهجرة بداية له في العد والحساب وهو ما نجد صداه في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

  وكان التقويم اليهودي من قبل قمرياً ثم تحول به حاخاماتهم إلى النظام الشمسي المختلط فجعلوا شهوره قمرية وسنته شمسية.  ومع ذلك فليست شهوره قمرية خالصة بسبب العديد من القيود التلمودية التي تتحكم فيها.

 

وكان تأسيس "عمر" للتقويم الهجري القمري من أعظم إنجازاته الحضارية في إطار تنظيم الدولة الإسلامية. كما اعتبر التقويم اليولياني الشمسي من أعظم إنجازات يوليوس قيصر الحضارية.

  وتقبلت الأمة فعل عمر بقبول حسن واستمسكت بالتقويم الهجري على مر العصور فعمل به جيل الصحابة والأجيال التي تلته من السلف الصالح حتى وقع عليه الانقلاب العلماني في عهد أتاتورك وحل التقويم الغريغوري محله تنفيذاً لمخطط دام قروناً متوالية.

 علماً بأن التقويم الغريغوري مر بمراحل من الأخطاء الفلكية الحسابية والتصحيح ومازال بحاجة باستمرار إلى التصحيح.

  فالخطأ الحسابي في النظام الشمسي يحتاج إلى متخصصين للكشف عنه كما يحتاج المتخصصون إلى قرون للكشف عن تلك الأخطاء المتراكمة وهذا ما حصل بالفعل.

  أما نظام التقويم القمري فيستحيل عليه الخطأ.  وإن وقع الخطأ من جهة البشر فبإمكان أي إنسان أن يكتشفه في غضون يوم أو يومين.  ويتم تصحيح العمل به تلقائياً.

د- مشروعية "الرؤية" و"الحساب" في السنة والكتاب

 

اشتد الخلاف بين المسلمين قروناً متطاولة من الزمن حول مسألة الاعتماد في تحديد بدايات الشهور القمرية على الرؤية البصرية أو الحساب الفلكي.

  وكان لكل فريق أنصارهم من العامة والخاصة واجتهد كل فريق في جمع الحجج والأدلة التي تنصره على خصمه.

 

ولولا الأخطاء الأكاديمية التي يقوم عليها الحساب الفلكي قديماً وحديثاً ما وقع الخلاف والاختلاف بين الفريقين.

  و تأزم الموقف حتى وصل لدرجة التخاصم والتدابر والتنافر.  وأودى بالمسلمين إلى الإحباط على مر السنين.

 

ولقد استطاع أنصار "الرؤية البصرية" أن يحشدوا كثيراً من النصوص القوية في وجه خصومهم.  ولكنهم في زحمة الهجوم والدفاع وحدة الجدال والمنافسة نسوا أن "الحساب الفلكي" مشروع أيضاً بنص الكتاب العزيز:

 "هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدره (للقمر) منازل لتعلموا (والخطاب لعموم الناس وخاصتهم) عدد السنين والحساب".

 

وفي  هذا الأسلوب الرباني من التوجيه ما فيه ليبادر البشر إلى إعطاء العناية الكافية والاجتهاد المطلوب والاعتبار بما يزرع الله في السماء من الأفلاك والأجرام ليتعلموا منها عدد السنين ويستنبطوا قواعد الحساب.

 

فمن أخذ بالرؤية وحدها وأنكر الحساب فقد أخطأ بنص الكتاب.  ومن أخذ بالحسابات الفلكية وأنكر الرؤية الشرعية فقد جانب هدي السنة النبوية.

 والصواب عين الصواب العمل بهما معاً وهو ما عليه "التقويم الأبدي".  أما شرح الأخطاء التي تقوم عليها الحسابات الأكاديمية فله غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى.

 

ولولا العناية الربانية والهداية النبوية وتأكيدها على اعتماد الرؤية البصرية لتاهت الأمة في خضم أخطاء الفلكيين على مدار العصور والدهور ولأفطر الناس في رمضان وصاموا في شعبان أو شوال وحجوا في يوم عيدهم وعيدوا في يوم وقفتهم واختلطت عليهم بدايات السنين والشهور ولم يميزوا بين حدود الأشهر الحل والأشهر الحرم.

 

ذ_       مفاضلة بين مزايا "الرؤية" و"الحساب"

 

يعيب أنصار "الحساب" على "الرؤية" أن لها سلبيات كثيرة منها :

-                                            الخطأ البشري الذي قد يقع فيه الشهود.

-                                             والوهم الذي قد يعتريهم.

-                                             أو الكذب الذي قد يتعمده بعضهم .

-                                             أو الهوى الذي قد يسيطر على قلوبهم فيدفعهم لاجتناب الصدق والصواب.

 

وكل ذلك وارد وأكثر منه ولكن الحساب أيضاً لا يخلو من تلك السلبيات والمخاوف والمحاذير.  وربما كانت أخطاء الفلكيين على مدار السنين الخالية أكثر من أخطاء شهود العيان وأبلغ في إبعاد المسلمين عن الحق والصواب.

  وما زالت بياناتهم الفلكية شاهدة على أخطائهم بل وما زالت برامج حساباتهم المعدة لتغذية الكومبيوتر، والكتب المحملة بالجداول الرقمية الزمنية تشهد عليهم بارتكاب الأخطاء المركبة

 (انظر أهم هذه الأخطاء في موضع آخر من المقدمة)  فالخطأ البشري والكذب والهوى كل ذلك وارد في حق الحاسب والشاهد سواء بسواء ولا يخفى على أهل العلم دور أعداء الإسلام في تحجيم التقويم الإسلامي ومحاولات طمسه وإخراجه من الساحة وزعزعة ثقة المسلمين به لاستبداله بغيره لأغراض غير علمية.  يغذيها الحقد الأعمى والعداء المستمر ضد كل ما يمت إلى الحضارة الإسلامية بصلة.

 

وإذا كان الإجماع الآفاقي (من دول وأقطار متعددة) يعد من إيجابيات الاعتماد على الرؤية فإنه (أي الإجماع) قد يعد من سلبيات الاعتماد على الحساب.

 ثم إن إجماع الفلكيين ليس بإجماع وليست له صفة الإجماع المعروفة شرعاً.  بسبب إمكان إجماعهم على الخطأ بالنقل والتوارث بحيث يعتمدون على برنامج حسابي خاطئ يتوارثونه ويتناقلونه فيما بينهم فيصبحون جميعاً نسخة مكررة عن الخطأ الذي اعتمدوه وكذلك يفعلون.

 

  والبرامج الحسابية الفلكية التي يغذون بها حواسيبهم الآلية أكبر دليل على فساد إجماعهم المزعوم في مشارق الأرض ومغاربها ثم إن قصة اعتمادهم على تقويم الأكاديمية البحرية الملكية البريطانية دون أدنى تمحيص باعتباره أم التقاويم الذي لا يرقى إليه بزعمهم الشك أو الخطأ وهو مبني على خطأ من أعظم الأدلة التي تدمغهم وتقيم الحجة عليهم. 

(لهذه المسألة شرح موسع في موضع آخر).

 

والحاصل بكل بساطة أن دور الرؤية في مسألة تحديد أوائل الشهور القمرية لا يقل بحال عن دور الحساب بل الرؤية مكملة للحساب وشاهدة على صحته أو خطئه.  والحساب مكمل للرؤية وشاهد على صحتها وخطئها ضمن إطار معلوم وشروط محددة.  فهما وجهان لحقيقة واحدة.  ومشروعيتهما قائمة بنصوص السنة والكتاب وهو الحق والصواب. فلا سبيل لإبطال دور جانب على حساب دور الجانب الأخر.

  فللرؤية دورها العظيم خلال قرون مضت في تصحيح مسار التقويم القمري وضبط معالمه في مختلف الأزمنة والأمكنة.  والحساسية التي نشأت بين أنصار كل من الرؤية والحساب لها أسباب تاريخية وعملية منذ فجر الدولة الإسلامية وأوج حضارتها وإنجازاتها العلمية عندما نال العلماء مكانتهم المرموقة لدى الخلفاء على حساب الفقهاء وكان من بين أولئك الفلكيين من هم على غير دين الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس الذين استغلوا تسامح الإسلام ومن أجل ذلك برزت الحاجة لاشتراط "العدالة" في الحاسب كما هي الحال بالنسبة للشاهد فكما أن شهادة غير العدول مردودة في مسألة الرؤية البصرية توجبُ أن ترد شهادة غير العدول من الحاسبين الفلكيين لأن الشبهة بحقهم واردة وقائمة فلا بد من الاحتياط وللمسألة هذه أشباه ونظائر بالنسبة للطبيب الذي يفتي بوجوب إفطار مسلم أو مسلمة في رمضان.  والله المستعان.

 

وأخيراً لا بد هنا من الإشارة إلى الفرق بين منهجي الحسابات الفلكية.

 فالمنهج الأكاديمي يختلف عن المنهج الإسلامي الرباني.  فالسقيم من الحساب الأكاديمي في مسألتنا مرفوض والسليم من الحساب هو المنهج الإسلامي الرباني المستمد من الكتاب والسنة مقبول وعلى صحته توافرت الحجج الدامغة من المعقول والمنقول والتطبيقات العملية في الفروع والأصول.

و‌-                                    الأساس الذي قام عليه المنهج الإسلامي للحسابات اليقينية والتقويم الأبدي

 

يستمد المنهج الإسلامي للحسابات الفلكية حقائق هذه الحسابات وقواعدها وأسسها من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.  ويعتبر كل حسابات أو نظريات فلكية أكاديمية تخالف القرآن والسنة باطلة لا يعتد بها ولا يركن إليها.

 

فالمنهج الإسلامي في حساب الشهور والسنين وقياس الزمن يعتمد "النظام القمري" بخلاف المنهج الفلكي الأكاديمي الذي اعتمد "النظام الحسابي الشمسي".

  بدليل قوله تعالى :

"هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدره منازل (أي قدر القمر) لتعلموا عدد السنين والحساب"

 ولو كان علم عدد السنين والحساب شمسياً لقال سبحانه وقدرها منازل لتعلموا عدد السنين والحساب.  وهكذا فإن الله عز وجل أرشدنا لاتخاذ النظام القمري سبيلاً لمعرفة عدد السنين ومعرفة الحساب الفلكي وقياس الزمن لحكمة يعلمها جل شأنه.وإن خفيت على العباد دهراً من الزمان.

 ومما يؤكد هذا الفهم ويزيده وضوحاً

 قوله تعالى :

 "يسألونك عن الأهلة. قل هي مواقيت للناس والحج"

 فقد جعل سبحانه ظهور الأهلة دلالات على بدايات الشهور ونهاياتها.  فهي "مواقيت" أي مقاييس زمنية للناس .. لكل الناس للبشرية جميعاً.

  وربط سبحانه وتعالى معرفة السنين بعدد شهورها اثني عشر شهراً قمرياً لكل سنة.

  فقال سبحانه:

 "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً (أي للسنة الواحدة) في كتاب الله يوم خلق الله السموات والأرض"

 فالسنة ليست عشرة شهور كما زعم الرومان مثلا وليست ثلاثة عشر شهراً كما يزعم اليهود ولكنها اثنا عشر شهراً قمرياً بدليل بقية الآية "منها أربعة حرم" أي من ضمن شهور السنة القمرية أربعة أشهر حرم.

 

 

 (ثلاثة سرد وواحد فرد كما في السنة وهي ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ثم رجب) فكيف تكون السنة وشهورها شمسية والأشهر الحرم قمرية؟ وهذا أيضاً من الأدلة القطعية على أن المنهج الإسلامي القمري هو المنهج المعتد به عند الله تعالى والذي ارتضاه للبشر منهجاً لمعرفة عدد السنين والحساب.

 

وعندما أفصح القرآن عن المدة التي استغرقتها عملية الخلق خلق السموات والأرض وما بينهما من البداية حتى الساعة التي خلق فيها آدم أبو البشر بيَّن أنها ستة أيام ربانية كل يوم منها يعدل ألف سنة قمرية فهي ستة آلاف سنة قمرية بالتمام والكمال وليست كما يزعم الفلكيون الأكاديمييون بأنها 15 مليار سنة شمسية أو 10 عشرة مليارات من السنين رجماً بالغيب مما لم تثبت صحته عند أحد حتى الساعة.  ولكن خالق السموات والأرض أدرى وأعلم بما خلق ومن خلق وهو اللطيف الخبير.

 

ويبلغ التحدي مبلغه عندما يحدد رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى يوم بداية الخلق ويوم نهايته كما نجده في صحيح البخاري :

 "بدأ الله الخلق يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة. وخلق آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة.  وكان آخر ما خلق"

 وفي القرآن الكريم :

"إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام" وفيه أيضاً "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون".

 

وعند ما تم حساب هذه المدة طبقاً للمنهج الفلكي الإسلامي تبين أن مدة الخلق المشار إليها بلغت 6 أيام ربانية تعدل 6000 سنة قمرية أو 72000 شهراً قمرياً أو 2126200 يوماً أرضياً (انظر تفاصيل العملية الحسابية هذه في موضع آخر) تعدل 6/7 303742 أسبوعاً تبدأ الأحد وتنتهي الجمعة.  فمن ذا الذي علم النبي الأمي هذا السر الحسابي قبل أن يعرف العالم ذلك بقرون من الزمان وهو ما لم يدركه الحاسبون الأكاديميون في عصر غزو الفضاء حتى ساعة كتابة هذه السطور.

 

ومن خلال حساب مدة خلق الكون التي استوعبت اثني عشر مجلداً بخط اليد (بلا حاسوب) كل مجلد منها يشتمل على 500 خمسمائة صفحة من القطع الكبير تم اكتشاف عدد من الدورات الحسابية القمرية اليقينية في دلالتها ونتائجها والتي أصبحت من أركان التقويم الأبدي اليقيني الذي يتنـزه عن الأخطاء المتوفرة في التقاويم المعروفة في العالم وفي الحسابات الفلكية الأكاديمية.

 

  مما جعله متميزاً عما سواه من التقاويم وأصبح مقياساً للخطأ والصواب بالنسبة للحسابات الأكاديمية.  فكل حساب أو كل نتيجة تتفق مع التقويم الأبدي نحكم بصحتها فوراً.  فإن اختلفت معه علمنا يقيناً بأن الصواب لم يكن بجانبها لأن المنهج الحسابي الأكاديمي ظني الدلالة تشهد على ظنيته الأخطاء التي تتضمنها حساباته في أصلها والأخطاء التي يتورط بها الفلكيون كل عام وخاصة في بدايات رمضان والأعياد السنوية.  أما المنهج الحسابي الإسلامي فهو قطعي الدلالة مستمد من الكتاب والسنة.  والصواب حليف نتائجه على مدى الشهور والسنين مهما طال الزمان. ويصمد أمام كل التحديات في كل الأمكنة والأزمنة والحالات.

ز-    دور التقويم الأبدي اليقيني في حسم الخلاف المزمن وتوحيد الأمة على تقويم واحد قويم وحساب سليم

 

كنت أحضر رسالة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي بعنوان : أسباب سقوط الخلافة الإسلامية وقيام دولة إسرائيل عندما توقفت فجأة عن إتمامها تحت وطأة إلهام غامض وشعور داخلي عميق بوجوب الاهتمام بالتقويم الهجري (القمري).

  وكنت في أيام الشباب لا أستطيع أن  أستوعب معنى قوله تعالى:

"وعلمناه من لدنا علماً"

 ولا مفهوم مسمى (العلم اللدني).  وكنت أتساءل مستغرباً هل يمكن لإنسان أن يتعلم بدون معلم ولا قلم ولا كتاب؟  فما معنى العلم اللدني أو العالم اللدني؟

 وكنت أحسب أن ذلك من المبالغات أو المستحيلات حتى وجدتني أعيش هذه التجربة الروحية العلمية الواقعية فأوتيت بمحض فضل الله عز وجل فهماً لم يكن يخطر لي على بال خلال عقود من السنين خلت من عمري للآيات والأحاديث التي تخص مواضيع الفلك والفضاء والزمان والشمس والقمر وقصة الخلق ولم أكن من قبل ذلك قرأت عنها بإجمال ولا تفصيل أو توقفت عند قراءة ما يخصها وقفة تأمل أو تفكير.

 وكان الدافع الأساسي لاهتمامي بعلم التقويم القمري ذلك الشعور بالألم الذي يولده الإحباط الذي يعاني منه المسلمون من تقويمهم ومن حسابات الحاسبين منهم خصوصاً في مواسم رمضان والأعياد من كل عام.

  فكان ما كان من أمر اختراع أو اكتشاف "التقويم الأبدي" الذي فاق كل تقويم سبقه بعزة الله تعالى وبز كل حساب فلكي في عصر غزو الفضاء والحواسيب العملاقة.

 

 ولكن الفضل كل الفضل لكتاب الله وسنة رسوله.  فتم لي ما تمناه كل مسلم يعاني من اختلاف الأمة في يوم صومها ويوم عيدها حين أنجزت "التقويم الأبدي" الذي بإمكانه تحديد أوائل السنين والشهور والمناسبات الدينية بدقة مطلقة على مدى قرون وقرون ويعطي نتائج حسابية يقينية لا تحتمل الخطأ البتة أو الشك والارتياب وذلك بعد أن تم بفضل الله عز وجل من خلال مدلول الآيات والأحاديث صاحبة الشأن اكتشاف الدورة الحسابية القمرية العظمى ومعرفة مفاتيح القرون القمرية من خلال حساب عمر الخليقة من لحظة الصفر حتى خلق آدم عليه السلام واكتشاف الجدول الحسابي الأبدي لأوائل الشهور القمرية ولبدايات الأعياد والمواسم الدينية واكتشاف بداية الدورة القمرية الصغرى عبر الزمان.  والتي عجز عنها الأكاديميون حتى كتابة هذه السطور واكتشاف ميكانيكية الكبس القمري وأنواعه ودورة هذا الكبس بأنواعه عبر القرون وتحديد ذلك كله على خريطة الزمن التي يعمل بموجبها التقويم الأبدي اليقيني.

وكان من فضل الله تعالى أن تم اكتشاف الأخطاء الأكاديمية التي يقوم عليها منهج الحساب الأكاديمي ويؤدي إلى الخلاف المزمن والاختلاف الذي يعاني منه المسلمون في كل مكان وفي كل عام على الدوام.

وهكذا وبحمد الله وحده صار بإمكان المسلمين في العالم أن يعتمدوا على التقويم الأبدي اليقيني الذي يجمع بين مزايا الاعتماد على الرؤية البصرية الشرعية والحساب الفلكي فلا تضارب بينهما ولا تعارض بل انسجام وتوافق تام على مدى الشهور والأعوام.  والتجربة أكبر برهان، والهلال الذي تتم رؤيته الشرعية في نفس التاريخ الذي تحدده الحسابات الفلكية اليقينية يشهد على صدق الصادقين في حساباتهم أو خطأ المخطئين.  فوداعاً للإحباط والخلاف المزمن والاختلاف بين المسلمين ومرحباً بوحدتهم واجتماع كلمتهم على تقويم واحد قويم وحساب سليم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

** ملاحظة       : تم الحصول على براءة اختراع التقويم الأبدي من الولايات المتحدة الأمريكية واشنطن دي. سي. عام 1989م.