وليس الذكر كالأنثى - هذا ما أكده العلم الحديث

المرأة :الأسرة :عدد124 رجب1424
 
من أشد ما تبتلى به أمة ألا تتعظ بأخطاء غيرها من الأمم, ولذا حفل القرآن الكريم بقصص الأمم السابقة، فأحد أسباب ارتقاء العنصر البشري مقارنة بغيره من المخلوقات تراكم الخبرات بين الأجيال وانتقالها بين الأمم، لكن كثيرًا ما يتخلى الإنسان عن هذه الميزة من تلقاء نفسه فيكرر أخطاء غيره ويطيل فترة تطوره وتقدمه. ومن الأخطاء التي ما زالت تعاني منها المجتمعات العربية والمسلمة استيراد أنماطا اجتماعية غربية ذات قضايا واهتمامات مختلفة تمامًا عن واقعنا وحاجاتنا. لقد عشنا قرونا عديدة لا نجادل في مسَلَّمة جاءت في كتاب ربنا تقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى}, فلم يكن رجالنا يرون في ذلك مزية لهم ولم تكن نساؤنا يرين فيها إقلالاً من شأنهن أو حطًا من قدرهن بل هي توصيف لواقع وفطرة نراها شاخصة ليس فقط بين بني البشر بل بين كل ذكر وكل أنثى من مخلوقات الله حولنا. لكن هذا الواقع تغير لا بسبب اكتشاف جديد وضعنا أيدينا عليه أو مشكلة نجمت عن هذه المسلمة بل لأن الغرب ـ أو قل تيارًا في الغرب ـ سعى لأن يكون عكس ذلك, فجاءت استجاباتنا سريعة ومضحكة: فالمرأة في الغرب تقود الطائرة إذن لا بد أن تفعل ذلك عندنا وتحتفل إحدى البلدان المسلمة بتخريج أول طيارة مقاتلة، ليس مهمًا إن كان هذا البلد لم يخض حربًا ولا يتوقع له أن يفعل ذلك. وإذا كان بين قضاة الغرب نساء فلا بد أن يكون عندنا كذلك وليس مهمًا إذا كان هذا القضاء بقضاته ـ رجالاً ونساء ـ تابع لا تنفذ أحكامه إلا بموافقة الحاكم!
المضحك الآن ـ وشر البلية ما يضحك ـ أن بعض البلدان العربية غالى في الأمر وأصبحت قضية المساواة بين الرجل والمرأة عندهم قضية مصيرية يتربى عليها الأطفال، فأحد بنود المعونة الأمريكية لأحد البلدان العربية تمويل بث نسخة عربية من برنامج الأطفال الأمريكي 'شارع السمسم' لتربية الأطفال على أنه لا فرق بين الولد والبنت وأن 'البنت مثل الولد'.
المثير أن هذا الأمر أصبح في الغرب نفسه 'موضة قديمة' وغدا عقلاؤهم يتندرون على جهالات وسخافات الخطاب النسوي عندهم في الستينات الذي كان مهووسًا بمسألة المساواة، فبدأنا نسمع عن دعوات لعودة المرأة إلى البيت، وفصل الأولاد عن البنات في المدارس وغيرها من الأمور الفطرية التي ضربوا بها عرض الحائط ثم عادوا إليها بعد أن دفعوا الثمن غاليًا، فهل ينبغي أن ندفع الثمن نفسه قبل أن نعود؟!
شهدت الستينات الميلادية في الغرب نموًا ـ بل فورانًا ـ ملحوظًا لحركات الليبرالية والفوضوية والماركسية التي وصلت أفكارها على حد التناقض فيما يتعلق بالطروحات السياسية والاقتصادية, لكن القاسم المشترك بينها كان ما يسمى بالمساواة بين المرأة والرجل حيث ظهرت الحركة النسوية 'فيمنزم' التي راحت تدفع بالمرأة في كل المجالات معتبرة ذلك إنجازًا وتقدمًا يصب في كفة المرأة.
ومن ضمن الأفكار التي رفعوا لواءها 'نظرة النوع' [جندر] ومفادها أن الرجل ليس رجلاً لأن الله خلقه كذلك، ولا المرأة امرأة لأن الله خلقها هكذا وأن الحالة التي تبدو لنا طبيعية ليست كذلك وأن الصفات المميزة لكل نوع .. وحتى الصفات النفسية أيضًا ليست كذلك، وعليه فإن العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة في الحياة الزوجية مرفوضة، لأنها تجعل من المرأة الجانب المظلوم.
وأن الأسرة كرست نظام الظلم على المرأة لأنها لا تملك حرية نفسها في اختيار من تريد لنفسها, فقد ظلمها الرجل ـ على حد تعبير الفلسفة الماركسية ـ بفرض رجل واحد في حياتها وهو الزوج بغرض معرفة نسب الولد، إذًا فلا بد من الثورة على الأسرة كنمط اجتماعي كرس لظلم المرأة ووأد دورها الاجتماعي والطبيعي لتخرج إلى نطاق الشواذ باسم الحرية والمساواة وضرورة إزالة الملكية الخاصة حتى لا يتحكم الرجل في المرأة بماله!
لذلك تطالب [النوعيات] بتطهير التلفاز من كل أنماط الصور المعهودة حتى ينمو الأطفال معتادين على الصور الجديدة، غير المقيدة بإطار جنسي معين، وأنه لا بد من إعادة صياغة وتحدي العلاقات بتغيير كلمة [زوج] إلى كلمة [شريك]، ولهذا ركزت الحركة النسوية في حديثها عن تلك الحقبة على موضوع المساواة ونسب الأولاد والوراثة كحقوق اغتصبها الرجل من المرأة واستقوى بها عليها.
وقد هيمنت النوعيات على برامج المرأة في أغلب الجامعات الأمريكية ففي مادة بعنوان إعادة صياغة صورة النوع [الجندر] تشرح المادة الموزعة على الطالبات والطلاب فكرة الأمومة المكتسبة وتحث على حق الإجهاض من منطلق أن زواج المرأة بالرجل ظلم ونكاحه لها اغتصاب، كما تشرح المادة أن الذكورة والأنوثة لا تعني شيئا فهي مجرد نمط اجتماعي يحدده الدور الاجتماعي، وتركز المادة على فكرة التخلص من النوع الذي يعتبر مفتاح التخلص من النظام الأبوي وظلم الرجل.
هزيمة:
هذه الرؤية النسوية المتطرفة هزمت أمام الفطرة وأمام سيل الأبحاث والدراسات العلمية التي تؤكد حقيقة الاختلاف بين المرأة والرجل ومن ثم ضرورة اختلاف الوظائف والأدوار الاجتماعية بينهما.
يقول الباحث الطبيعي الروسي أنطون نميلاف في كتابه الذي أثبت فيه عدم المساواة الفطرية بينهما، بتجارب العلوم الطبيعية ومشاهداته: 'ينبغي أن لا نخدع أنفسنا بزعم أن إقامة المساواة بين الرجل والمرأة في الحياة العملية أمر هين ميسور. الحق أنه لم يجتهد أحد في الدنيا لتحقيق هذه المساواة بين الصنفين مثل ما اجتهدنا في روسيا السوفيتية، ولم يوضع في العالم من القوانين في هذا الباب مثل ما وضع عندنا، ولكن الحق أن منزلة المرأة قلما تبدلت في الأسرة، لا في الأسرة فحسب بل قلما تبدلت في المجتمع أيضًا'.
ويقول في مكان آخر: 'لا تزال تصور عدم مساواة الرجل والمرأة ذلك التصور العميق راسخًا ليس في قلوب الطبقات ذات المستوى الذهني البسيط فحسب، بل في قلوب الطبقات السوفيتية العليا أيضًا'.
ويقول عن الفوضى الجنسية التي أحدثتها محاولات تطبيق المساواة: 'الحق أن جميع العمال قد بدت فيهم أعراض الفوضى الجنسية، وهذه حالة جد خطرة، تهدد النظام الاشتراكي بالدمار، فيجب أن نحاربها بكل ما أمكن من الطرق، لأن المحاربة في هذه الجبهة ذات مشاكل وصعوبات، ولي أن أدلكم على آلاف من الأحداث، يعلم منها أن الإباحية الجنسية قد سرت عدواها ليس في الجهال الأغرار فحسب، بل في الأفراد المثقفين من طبقة العمال'.
ويقول الدكتور ألكسيس كاريل ـ الحائز على جائزة نوبل ـ: يجب أن يبذل المربون اهتمامًا شديدًا للخصائص العضوية والعقلية في الذكر والأنثى، كذا لوظائفهما الطبيعية. هناك اختلافات لا تنقص بين الجنسين ولذلك فلا مناص من أن نحسب حساب هذه الاختلافات في إنشاء عالم متمدن.
استفادة:
الدراسات والأبحاث التي أكدت الفروق السلوكية والبيولوجية بين الرجال والنساء دفعت عددًا من التربويين إلى الاستفادة من هذه الحقيقة في مجال التعليم ومن هنا ولدت فكرة مدارس الجنس الواحد في أمريكا وأوروبا في سابقة يستغربها الكثيرون ويراها البعض طبيعية، وقد أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش عن عزمها تشجيع مبدأ عدم الاختلاط يبن البنين والبنات في المدارس العامة، وذلك في عودة لقانون كان يطبق قبل ثلاثين عامًا.
وصدر إعلان عن هذا المشروع في 'السجل الفيدرالي ـ الصحيفة الرسمية الأمريكية ـ بتاريخ 8/5/2002، وقد أثار ردود فعل متضاربة. فانتقد البعض المشروع بشدة متحدثين عن مخاطر أخرى، في حين رأى البعض الآخر أن الفصل بين الصبية والفتيات سيؤثر إيجابًا على مستوى التعليم. وجاء في الصحيفة الرسمية أن 'وزير التربية ينوي اقتراح تعديلات للتنظيمات المطبقة حاليًا تهدف إلى توفير هامش مبادرة أوسع للمربين من أجل إقامة مدارس غير مختلطة، وأن الهدف من هذا الإجراء هو توفير وسائل جديدة لمساعدة التلاميذ على التركيز في الدارسة وتحقيق نتائج أفضل'.
على إثر ذلك أكد البروفيسور أميليوفيانو أن العديد من الدراسات التي أجريت على تلاميذ وتلميذات أظهرت أنه في بعض مراحل نموهم يرتفع مستوى التحصيل الدراسي لديهم في حالة الفصل بينهم أثناء الدراسة، وأضاف: إن بعض الفتيات قد يشعرن بميل إلى فتيات معينين؛ الأمر الذي يحرمهن من تطوير حياتهم الاجتماعية، وكذلك الحال بالنسبة لكثير من التلاميذ الذين يفضلون الانفصال عن الفتيات حتى لا يتحتم عليهم الالتزام ببعض اللباقات التي يرونها ضرورية في حضور فتيات.
كما أيدت 'الجمعية الوطنية لتشجيع التعليم العامر غير المختلط' وجهة النظر هذه ، وعرضت دراسة أجرتها جامعة 'ميتشيجن' في بعض المدارس الكاثوليكية الخاصة المختلطة وغير المختلطة تفيد أن الطلاب في المدارس غير المختلطة كانوا أفضل من مستوى القراءة والكتابة والرياضيات.
شهادة أمريكية أخرى للتعليم غير المختلط صدرت عن الوكالة التربوية الوطنية، أفادت نتائج البيانات الإحصائية بأن الفتيات الأمريكيات في الفصول المختلطة أكثر عرضة للقلق والاكتئاب والانتحار!
وفي دارسة أخرى لمجلة 'نيوزويك' الأمريكية أرقام وإحصاءات تفيد أن الدراسات في الكليات النسائية [غير المختلطة] هن الأكثر تفوقا ونجاحًا في الدارسة وفي حياتهن العملية بعدها. وهذا الإعلان أضاف إخفاقًا جديدًا، وهدم صرحًا عاليًا من صور نشر الفكر الغربي والمناداة بالمساواة والاختلاط والشذوذ.
ولم يقتصر هذا الأمر على أمريكا وحدها، بل انتقل إلى بريطانيا فقد أكدت بحوث بريطانية نشرت في العديد من الدوريات أن المدارس التي حقق طلبتها تفوقًا واحتلت المراتب التسع والعشرين الأولى في بريطانيا هي مدارس غير مختلطة: 'فقد حققت 15 مدرسة خاصة بالذكور و14 مدرسة خاصة بالإناث التفوق في شهادة الـ [A-LEVEL].
هذه النتائج جعلت مجلس إدارة مدرسة 'شين فيلد' الثانوية في منطقة 'برنت وود' تقرر فصل الطالبات عن الطلاب. وقال مدير المدرسة الدكتور أوزبورن: قد يبدو القرار عودة على الماضي، ولكننا نقول: إن القرار اتخذ لصالح مستقبل الطلبة من الجنسين، فقد اكتشفنا أن الطالبات ـ في التعليم المختلط ـ يضيعن وقتًا في الاهتمام بمظهرن وأنهن ـ ومع وجود الطلاب ـ يفقدن زمام السيطرة ولا يعرفن الهدف.
وتؤكد الإحصاءات أنه عندما يدرس الطلبة في كل جنس بعيدًا عن الجنس الآخر فإن التفوق العلمي يتحقق، ففي وسط التعليم المختلط أخفق البنات في تحقيق التفوق في مجال الرياضيات والعلوم والكيمياء والفيزياء والتكنولوجيا والكمبيوتر؛ وقد أيدت الإدارة التعليمية في منطقة 'نيوهام' هذه الحقائق في دراسة تحليلية.
إليزابيث فيجوري رئيسة رابطة مدارس البنات الخاصة ـ لم تؤكد هذه الإحصاءات فحسب، بل أكدت أيضًا أنه مع التوسع في استخدام التكنولوجيا في العملية التعليمية تزايد معدل التفوق لدى البنات في المدارس غير المختلطة، وأن نسبة النجاح بينهن ارتفعت في الشهادات العامة إلى 93% ونسبة التفوق بامتياز إلى 50%.
وقالت فيجوري: في محيط نسائي خالص، بعيدًا عن الضغوط النفسية والاجتماعية والسيطرة الرجالية، استطاعت البنات أن يؤكدن، ليس فقط تفوقهن، بل قدرتهن على استيعاب المعلومات واستخدامها وتحليها واتخاذ قرارات فيها.
ولعل شهادة شيرلي وليامز الأستاذة في جامعة هارفارد ـ والتي أمضت حياتها الدراسية في مدارس غير مختلطة حتى حصلت على شهادة الـ [A- LEVEL] ثم التحقت بكلية سرفيل ـ غير المختلطة أيضًا ـ بجامع أكسفورد؛ لعل شهادتها توضح الكثير من تميز التعليم غير المختلط.
تقول شيرلي وليامز: في هذا الجو الخالي من الضغوط التي يسببها وجود الرجال؛ يكون عطاء البنات عاليًا وإيجابيًا ومثيرًا يؤكد قدرتهن على الإبداع والعطاء والتفوق. كما أن وجود بنات فقط في الفصول يزرع فيهن قدرًا عاليًا من الثقة بالنفس والصداقة الحميمة.
هنا وهناك:
لكن ما يحدث عندنا أمر يثير العجب، فقد نقلت الغالبية العظمى من بلدان المسلمين كثيرًا من تجليات النسوية الغربية، وأصبحت بعض بلداننا تقيس تقدمها بعدد النساء العاملات في القضاء وفي الشرطة والجيش والبرلمان والحكومة انطلاقًا من موقف المساواة, فجل ما يهمهم هو أن يكون عدد النساء مثلاً مساويًا لعدد الرجال في الحكومات والمجالس النيابية والإدارات المحلية ومواقع السلطة في كل مكان، وأن تصبح المرأة سيدة أعمال، ولكنهم لا يجرءون أن يطرحوا قضية حقوق المرأة المعنوية والمساواة في قضايا عائلية تتعلق بالتكوين الجسمي للمرأة ودروها الوظيفي في إطار العائلة ويتهربون منه رغم أن القرآن أرسى قاعدة شهيرة تحدد الفروق بما يحفظ للمرأة للرجل معًا كرامتهما {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى}!
ويغفل هؤلاء الداعون للمساواة ـ بالمنطق الغربي ـ الأصوات الغربية التي ترصد عيوب هذه الدعوة العمياء للمساواة المطلقة على كيان الأسرة التي هي عماد المجتمع والمطالبين بالسعي وراء فطرة الإنسان كما خلقه الله ومنها مسألة عمل المرأة.
فقد أعد عالم الاجتماع الأمريكي روس ستولز نبيرج دراسة لجامعة شيكاغو تحت عنوان [لماذا تشكل الزوجة العاملة خطرًا على زوجها؟] قال فيه: إن السبب الرئيس في ذلك هو أن الأزواج والزوجات ما زالوا يؤدون أدورا مختلفة في الزواج ـ وليس هناك مساواة كاملة بينهما في هذا ـ وأن مهمة الحفاظ على صحة العائلة تبقى ضمن مسئوليات الزوجة, فالنساء ـ على حد قوله ـ يتدربن منذ الطفولة على التعامل مع المشاكل الطبية ونشر الوعي الصحي بين أفراد الأسرة ويلممن بالأعراض المرضية.
كما أنهن المسئولات أيضًا عن تنظيم الحياة الاجتماعية سيما وأن الاتصالات الاجتماعية والاختلاط بالأصدقاء من الأمور المشجعة على الصحة كونها من العوامل المخففة للضغوط الحياتية.
كذلك حذر فلاسفة غربيون من خطر المساواة المطلقة بين الذكور والإناث، منهم الدكتور ألكسيس كاريل الذي انتقد في كتابه 'الإنسان ذلك المجهول' الحضارة المادية الغربية، وما جنته الأسر الغربية من تلك الحضارة من انهيار بقوله: قد انحلت روابط الأسر، ولم يعد للألفة والمودة وجود، والسبب: مساواة الأنثى بالذكر في كل شيء، من حيث تلقي الفتاة التعليم ذاته الذي يتلقاه الفتى. ومن حيث إقحامها في أعمال الرجال، وما يتبع هذا من تأخير الزواج، واحتقار الأمومة، والانصراف عن تربية الأبناء.
ولا ينسى الفيلسوف الألماني أن يذكر دعاة المساواة المطلقة بالفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة التي تعزز خطأ المساواة بينهما في الوظائف والمهام، منبهًا النساء للأنوثة وأهمية أنهن يلعبن دورًا أسمى مما لو كن مقلدات للرجال حيث يقول: إن الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة لا تأتي من الشكل الخارجي للأعضاء التناسلية، ومن وجود الرحم والحمل، أو من طريقة التعليم، إذ إنها ذات طبيعة أكثر أهمية من ذلك .. إنها تنشأ من تكوين الأنسجة ذاتها، ومن تلقيح الجسم كله بمواد كيميائية محددة يفرزها المبيض. وكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها، وفوق كل شيء بالنسبة لجهازها العصبي والقوانين الفسيولوجية ـ كما يقول ـ غير قابلة للتغيير مثل قوانين العالم الكوكبي.
صرعة 'الجندر'!
ورغم هذه التحذيرات فقد استمرت صرعة ما يسمى [الجندر] بين نساء العرب والمسلمين المتغربات يعززها جهلهن بحقيقة دينهن، وانتشر مصطلح [الجندر] أي تأسيس الفروق بين الجنسين على الثقافة وحدها والنوع الاجتماعي.
وارتفعت نبرة الحديث عن اضطهاد وقهر المرأة ونضالها، لتتخلص من القيود وضرورة إيجاد اتحاد نسائي عالمي يوجد هوية جديدة فوق القوميات والاختلافات كي تتحدث نساء العالم عن أنفسهن، رغم أن هذا ـ كما يقول د. عبد الوهاب المسيري أستاذ علم الاجتماع المصري ـ ينطوي على تجاهل لدور المرأة الإنسان، وتمركز حول الأنثى، وعن امرأة فرد لا عن امرأة داخل أسرة، أو إطار اجتماعي يعدد أبعاد النظر للمرأة والأدوار ذات المستويات المختلفة التي تقوم بها!
بل لقد استهوت فكرة الحديث عن اتحاد نسائي بعض كتاب الدراما العربية فتم إنتاج فيلم بعنوان [الاتحاد النسائي] يركز على أهمية دور المرأة في المجتمع وكيف ستتوقف دول لو لزمت المرأة منزلها ولم تخرج للعمل!، ومسلسل تلفازي آخر بعنوان [يا نساء العالم اتحدوا] يدور حول الأمر نفسه.
ستار القوامة:
وزاد من صرعة المطالبة بالمساواة الكاملة والاحتكام إلى [الجندر] ـ النوع الاجتماعي ـ لجوء العديد من الرجال إلى اضطهاد النساء والتستر في ذلك بالدين والحديث عن قوامة الرجل دون وعي لحقيقتها ومعناها العام الشامل.
فقوامة الرجل على المرأة لا تكون للرجل ـ كما يقول د. أحمد عبد الله الخبير النفسي المصري ـ بوصفه ذكرًا على المرأة بوصفها أنثى فحسب، ولكن تكون للرجل بما يكتسبه من أخلاق، ويمارسه من أدوار على المرأة بما تكتسبه من أخلاق، وتمارسه من أدوار؛ فقد خلق الله الذكر وفيه استعداد فطري لكي يكون رجلاً مسئولاً ومديرًا وراعيًا، كما خلق الأنثى ولديها استعداد فطري لتكون امرأة حانية ومسئولة وراعية، ويكتسب الرجل 'القوامة' بقيامه على شئون أسرته من نفقة، وتدبير عيش، وإدارة شئون، وهي أهم الوظائف الاجتماعية للزوج والأب، والمرأة تنجب وترضع، وتحنو وترعى في قيامها بأهم وظائفها الاجتماعية .. بما لا ينفي بالطبع أن هناك أدوارًا اجتماعية أخرى 'اختيارية' للرجل وللمرأة خارج إطار الأسرة.
بعبارة أخرى لا يمكن فهم 'القوامة' إلا في إطار مفهوم ودور 'الرعاية' و 'المسئولية' التي أرشد إليها حديث 'كلكم راع', وإذا قرأنا مفهوم القوامة في هذا الإطار يتضح لنا أن القوامة أقرب إلى الإدارة والإشراف منها إلى التحكم والسيطرة، وتكون بالتالي بمثابة صلاحيات مقابل مسئوليات، ويكون الفضل والتفضيل هنا تكليفًا لا تشريفًا لرجل يتجاوب مع ما وضعه الله فيه من استعداد فطري، ويطور قدراته في الرعاية والإدارة من سعة الصدر، وحزم في الأمر، وقدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
ويضيف أن: القوامة إمارة .. لا من باب الولاية السياسية، والسلطة الاستبدادية، ولكن من باب 'تفضل على من شئت تكن أميره' دون مَنٍّ أو تطاول، بل طبع مستقر وخلق دائم تصدر عنه الأفعال دون افتعال، وهي ارتفاع عن خسة طبع تقرأ: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة}، تكرر: 'لو كنت آمرًا بشرًا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها'، وتنسى أو تتناسى قوله صلى الله عليه وسلم: 'خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي'.
مساواة في النشأة والخلق:
ومع أن القضية تبدو واضحة لمن يعرف دينه حق المعرفة ويدرك الحدود والفروق الدقيقة التي خطها الإسلام لدور المرأة والرجل في المجتمع، فهي ليست كذلك لمن لا يعرف دينه ويسعى لاكتساب علمه في هذا الصدد من المحافل الدولية والغربية, فتراهم يتمسكون ببعض الأقوال المرسلة عن الدين وما ينسب للإسلام زورًا من ممارسات خاطئة لبعض أتباعه، ليتحدثوا عن الإصلاح، وينتهوا إلى الدعوة لعدم الالتزام ببعض ما جاء في القرآن والسنة بشأن المرأة!
وليس هناك أكثر من الكتب والأبحاث التي توضح دور الإسلام الحقيقي في هذا الصدد. فالإسلام آكد في أول آية من سورة النساء على مساواة المرأة للرجل في النشأة والخلق: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}. والتعبير بكلمة [زوج] عنهما معًا يفيد المساواة، فكل واحد منهما زوج للآخر ما يفيد علاقة التكامل بينهما.
كذلك جمع الله بين الجنسين في مهمة استخلاف الله البشر على إدارة الأرض وإصلاحها وهو يقصد جنس البشر ذكرًا كان أو أنثى [البقرة آية30] وسوى بين الذكر والأنثى في حق التكريم والتفصيل الذي خص به الإنسان [سورة الإسراء الآية 70] وسوى بينهما في الخلق من طين [سورة طه الآية26]. ونفي الإسلام عن المرأة مسئولية الخطيئة الأصلية. وقد ركز التشريع الإسلامي على هذه المساواة في القرآن والأحاديث النبوية، فلا يذكر الذكر إلا مقترنًا بالأنثى كقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} 'النحل: 79' وتقدم الذكر لا يفيد الترتيب التفصيلي كما هو معلوم في القواعد اللغوية والأحكام الشرعية. وكان يمكن أن يشير القرآن إلى النساء في صيغة جمع المذكر الذي يفهم على أنه يعني الإناث أيضًا، وهذا معروف في لغة العرب بالتغليب، ولكن القرآن فضل الوضوح رفعًا لأي التباس وتأكيدًا للمساواة. ويغفل دعاة المساواة أن الإسلام ساوى بين الذكر والأنثى في حق التعليم والعمل {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وأنه سوى كذلك بين الجنسين في اكتساب أجر يقابل نوع العمل {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32].
وقد سوى الإسلام بين الذكر والأنثى في الولاية، فقال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ} وفي تولي المسئوليات، إذ زادت الآية الكريمة تقول: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطة خاصة من أهم سلطات الدولة في إدارة الأمن عهد الله بها إلى المؤمنين والمؤمنات على السواء.
ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ولى 'أم الشفاء بنت عبد الله' على مرفق اقتصادي مهم هو حسبة السوق بما يتطلبه ذلك من مراقبة للأسعار وقمع الغش. كما روي أن سمراء بنت نهيك الأسدية كانت تمر في السوق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وبيدها سوط يرمز إلى هيبتها ويشير إلى وظيفتها الأمنية. وبصفة عامة فإن النساء لم يكن مغيبات عن المهام السامية في عهد الإسلام الأول. وقد أفردت كتب الحديث نساء راويات ومفتيات.
واشتهرت المرأة بالتثبت والصدق في رواية الحديث. ولا يعرف في تاريخ الرواية أن واحدة من النساء كانت من بين من ثبت عليهن وضع الحديث الكاذب. وقد كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها من مكثرات رواية الحديث، حتى أنها روت ألفًا ومائتين وعشرة أحاديث. وعنها قال عروة بن الزبير: 'ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطلب ولا بشعر من عائشة'. فكانت عالمة، تدرس الأبناء في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما إلى أن توفيت رضي الله عنها.
وفي ظل المساواة التي سنها الله للذكر والأنثى لم يستبعد أن تكون لكل واحد منهما مؤهلات يتميز بها عن الآخر. فكل من الذكر والأنثى متساويان في المسئولية خلافًا للشرائع التي كانت ترى تحميل المرأة جرائم الرجل! أو عدم أخذ القصاص ممن قتلها! أو إحراقها مع زوجها! فقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]، {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]، و{لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ} [الإسراء:33] وجاء في القرآن: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:18], كما أن الجنسين متساويان أمام الله وأمام أحكام الشرع [أو ما يعبر عنه بالمساواة أمام القانون]. والقاعدة العامة في هذا الباب هي التي نص عليها الحديث الجامع المؤسس لمبدأ المساواة القائل: 'النساء شقائق الرجال' فيما يتعلق بالأحكام.
حصيلة المساواة:
من عجائب الزمن أن المطالبات بالمساواة على الطريقة الغريبة تقلصت مطالبهن إلى تقليد الرجال في الملبس والعادات والمزاحمة في العمل، وإهمال أسرهن وعائلاتهن، وفي ا لوقت الذي بدأ فيه الغربيون يدركون هذه الحقائق ويحذرون من مضارها لا تزال داعيات المساواة العربيات سادرات في دعوتهن.
فقد كشفت نتائج بحث أجراه المجلس القومي لأبحاث المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية ـ على سبيل المثال ـ أن الفتاة الأمريكية قد استطاعت تقليص الفجوة بينها وبين الفتى إلى حد كبير فيما يتعلق بدارسة العلوم والرياضيات، ولكنها تغلبت على الفتى في معدلات التدخين والاكتئاب والمخدرات والكحوليات، وارتفعت معدلات الفتيات المدخنات قبل سن 13 سنة من 13% عام 1991 إلى 21% عام1999، وكذلك ارتفعت معدلات استخدام الماريجوانا ـ أحد أنواع المخدرات ـ من 5% إلى 17%.
وفي هذا الصدد تشير الاستطلاعات في الدول المتقدمة والنامية على السواء إلى أن حوالي 77% من النساء يفضلن البقاء في المنزل وعدم العمل إذا ما توفرت لهن الإمكانيات المادية، بسبب الضغوط الشديدة التي تتعرض لها المرأة في عملها وفي منزلها، ويزيد من هذه الرغبة شعور الكثيرات أن أرباب العمل الرجال يبخسوهن حقوقهن في الترقي أو الاعتراف بما أنجزنه.
بعبارة أخرى بدأت النساء يدركن حقيقة التكاليف الاجتماعية الباهظة لعملهن خارج منازلهن، ومزاحمة الرجل في العمل في ظل ارتفاع معدلات البطالة مما قد يؤدي لنتائج سلبية، وأصبح هناك إدراك أكبر لحقيقة دور كل طرف في المجتمع كما خلقه الله ووهب له من قدرات جسمانية وعقلية بما يترتب عليه من اختلاف الأدوار بين الرجل والمرأة، ولكن البعض عندنا لا يزال يتخذ من نساء الغرب مرشدات اجتماعيات ومثلاً، ولا ينظر في تاريخه ليتخذ منه له ومثلاً وقدوة!
تكامل لا مساواة:
الذين يصرون على مساواة المرأة بالرجل يقولون: إن الفروق بينهما إنما هي نتيجة البيئة المحيطة بهما والعادات التي تنشأ وسطها والتربية التي تلقياها في الصغر ويرد عليهم الأستاذ محمد رشيد العويد بقوله: الدراسة والبحث والعلم جميعها تقول غير ذلك, فقد ثبت أن الفروق بين الجنسين فروق عضوية موروثة وليست مكتسبة, ومن ثم فإن محاولة المساواة بينهما محاولة فاشلة لأنها مناقضة لطبيعة كل منهما.
لقد قام فريق من الباحثين بتشكيل معسكر ضم عددًا من الأطفال من الجنسين أشرف على تربيتهم مربون يتبدلون كل فترة زمنية معينة وقد حذقت كملة رجل وامرأة في المعسكر وتم تجنب كل إشارة أو عمل أو سلوك فيه تفريق بين الجنسين من الأطفال الذين ترعرعوا أحرارًا من كل قيد أو صفة يطلقها عليهم المجتمع حتى إنهم تركوهم يمارسون جميع الأعمال دون الأخذ بنوع العمل إذا كان يخص الرجل أم المرأة .. وحين كبر سكان المعسكر وخرجوا يمارسون الحياة العامة آثرت المرأة القيام بدور الأم وربة البيت وآثر الرجل التكفل بتأمين دخل الأسرة المادي ومارس الحياة بشكل عادي جدًا دون تأثير محسوس لذلك المعسكر وما بذل فيه من جهود لمحو الفروق بين الرجل والمرأة, وثبت بذلك أن نمط الحياة التي يختارها كل من الجنسين لنفسه تخضع لتحك طبيعة الجني وتكوينه العضوي.
قوي وصامدة:
لقد ثبت عمليًا أن المرأة أقدر من الرجل ـ بما لا يقاس ـ على الصمود في وجه الأمراض والمؤكد علميًا أنها متفوقة تفوقًا عضويًا واضحًا على الرجل, وهذا التفوق يسميه العلماء 'الانتقاء الطبيعي'. أي أن الله سبحانه وتعالى كما زود الرجل بقوة في عضلاته فإنه زود المرأة بجهاز خلقي يضمن لها الصمود أمام الإرهاق المفرط ومقاومة الأمراض .. ويفسر العويد ذلك بأن الخالق ـ جل شأنه ـ قد ميز الأنثى بهذه القدرة لأنه تعالى أسند إليها مهمات عضوية مرهقة لم يسند مثلها إلى الذكر مثل الحمل والولادة وما يسبق ذلك وما يليه من متاعب كالوحم والنفاس. ناهيك عن التغيرات العضوية والهرمونية ..
ويقول البروفسور الألماني المعروف في جامعة برلين رودولف باوماشن: إن المرأة قادرة على تحمل الإرهاق والصدمات النفسية أكثر من الرجل...
وأضاف استنادًا إلى نتائج سلسلة من التجارب الطبية والعلمية أن جسم المرأة يتفاعل بسرعة عنيفة وسريعة مع حالات الإرهاق النفي ويفرز كميات كبيرة من هرمونات الإرهاق كمادة الأدرينالين والنورادنالين وأسيدات دهنية متحركة إلا أن هذه الهرمونات تتقلص بسرعة كبيرة لدى المرأة بعد الإرهاق أو الانفعال النفسي.
واستخلص البروفسور من هذه التجارب أن المرأة تنفعل بصورة أسرع من الرجل إلا أنها تهدأ بالسرعة نفسها وخلافًا لذلك فإن جسم الرجل يفرز هذه الهرمونات الناتجة عن الإرهاق بشكل بطيء مما يجعلها تستقر لفترة أطول في الدورة الدموية .. فالإرهاق مفعوله أكثر على الرجال مقارنة بالنساء ... فلماذا خلق الله سبحانه المرأة أقدر من الرجل على تحمل الإرهاق والصدمات النفسية؛ لأن الله سبحانه خلق المرأة لمهام .. وخلق الرجل لمهام أخرى والمهام التي خلق الله ـ تعالى ـ المرأة لها تتطلب منها هذه القدرة الأكبر على تحمل الإرهاق والصدمات النفسية.
كما زود الله عز وجل المرأة بعاطفة جياشة وحسن مرهف ورقة في المشاعر، فالتعامل مع الطفل والصبر على عنايته ورعايته يتطلب مثل هذه القدرة وهذه الصفات المتوفرة لدى المرأة أكثر من الرجل.
وكلنا يعرف قصة تلك المرأة التي أقنعت زوجها بأن مكانه البيت وأنها هي رب الأسرة التي ينبغي أن تعمل خارج البيت وكان أن بكت طفلتها وهي في العمل فضاق أبوها بها ذرعًا ورفضت أن تتناول زجاجة الحليب وفشلت محاولاته معها فما كان منه إلا أن دق رأسها في الطاولة وعندما أهاجه بكاؤها ألقى بها في الأرض بكل قوة فماتت الطفلة وذهب الزوج إلى السجن...
اكتشافات متوالية:
يومًا بعد يوم تتوالى الأبحاث العلمية التي تؤكد الاختلافات السلوكية والقدرات بين جنسي الأطفال, فبالإضافة إلى الاختلافات العضوية الواضحة فقد تبين أن البنات يولدن بدهون أكثر وأنهن يسبقن الذكور في الحصيلة اللغوية. يستطيع الطفل بعد العام الأول من عمره تمييز جنس الأطفال ـ ذكر أو أنثى ـ بغض النظر عما يرتدونه، كما تتميز لعب كل جنس عن آخر في هذه السن. وعندما يصل الطفل إلى سن الروضة يصبح لديه فكرة واضحة عن الفارق بين البنت والولد بل ويتصرف كل جنس منهم بطريقة مختلفة عن الآخر.
اختلافات في النمو الجسمي:
وحول اختلاف الجنسين في اكتساب المهارة تقول ستوبارد: يتميز الأطفال بعضهم عن بعض سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا، ويؤثر الأهل في معدل سرعة التطور في اكتساب بعض المهارات لدى الجنسين فمن ناحية النمو الجسماني ـ على سبيل المثال ـ نرى الإناث أسرع في معدل نموهن، وهن يسبقن الذكور في النضوج في مرحلة المراهقة، ويبدو نموهن أكثر انتظامًا وقوة وسرعة إلى أن يبلغ الصبي سن البلوغ فينضج ويصبح أكثر قوة وسرعة وتقوى لديه العضلات والعظام، ويصبح أقل سمنة وتنمو عضلة القلب والرئتين لتستوعب أكبر قدر ممكن من الأكسجين الذي يحتاجه الدم لتغذية كل من العضلات والعظام وتكون الإناث في مرحلة ما قبل المدرسة أكثر رشاقة ومقدرة على القفز والوثب وفي الحركات الإيقاعية والتوازن، بينما يصبح الذكر في وقت لاحق أفضل من تلك النشاطات التي تحتاج إلى الركض، والقفز.
وفي النمو اللغوي نجد الإناث أسرع من الذكور في اكتساب المهارات الكلامية ويستطعن صياغة جمل أطول وتركيب أحاديث إنشائية وتلازم هذه الميزة الإناث في حياتهن المستقبلية ويبدو أيضًا أن الإناث يستطعن الكتابة والقراءة أسرع وتبدو قواعدهن اللغوية ونطقهن أفضل.
وتضيف ستوبارد: ويظهر أن الإناث وحتى سن البلوغ أفضل بقليل من الذكور في الرياضيات ولكن الذكور يظهرون في سن المراهقة مهارات أفضل، ولاسيما في الهندسة الفراغية وهم يستوعبون العلاقات الرياضية والأبعاد الهندسية وهذا التميز يبقى واضحًا ومستمرًا في سن ما بعد المراهقة.
ومن الناحية الاجتماعية يكون الذكور عادة أكثر عدائية وسيطرة من الإناث، كما يظهر الذكور ميلاً إلى التنافس والطموح، ومما لا شك فيه أن الإناث أكثر اجتماعية ويقمن علاقات صداقة متينة وتغلب عليهن صفة المسايرة، ويكن لينات العريكة، ونصح ستوبارد الوالدين بضرورة مراعاة الاختلافات للاختلافات الفطرية بين الجنسين لتقويم نقاط الضعف لدى كل منهما، كأن يوفر للأطفال الذكور كثيرًا من الكتب التي تساعدهم في اكتساب اللغة، وتقيم الألعاب الخاصة للبنات التي تنمي المدارك الرياضية والفراغية مثل القطع التركيبية.
التمايز بين الجنسين اجتماعيًا:
ويتحدث د. حامد زهران أستاذ الصحة النفسية جامعة عين شمس عن الفروق بين الجنسين في مجال النمو الاجتماعي، قائلاً: يتعلم كل من الجنسين المعايير والقيم والاتجاهات المرتبطة بجنسه مما يؤدي إلى اختلاف الذكور عن الإناث في بعض أنماط السلوك، ويرى بعض الآباء أن بعض سمات السلوك الاجتماعي تليق بالذكور مثل: الشجاعة والقوة الجسمية والسيطرة والتحكم في الرياضة البدنية والتحصيل والميل إلى التنافس والاستقلال، ويرون بعض السمات تليق بالإناث مثل: الوقار الاجتماعي والنظام والدقة، وأغلب الآباء يثيبون الطفل على السلوك الذي يرونه مناسبًا لجنسه ويعيبونه على السلوك الذي يرونه غير مناسب.
وفي مرحلة الطفولة الوسطى، نجد أن الإناث يسبقن الذكور ـ دراسيًا ـ ويتفوقن عليهم ويرجع ذلك إلى سرعة نمو الإناث عن الذكور في هذه السنوات، وكذلك لأن الإناث يقضين وقتًا أطول في المنزل مع الكبار.
ويتجه الذكور إلى أن يصبحوا أكثر خشونة واستقلالاً ومنافسة من الإناث اللاتي يتجهن إلى أن يصبحن أكثر أدبًا ورأفة وتعاونًا من الذكور.
ويشير د. حامد زهران إلى التنميط الجنسي أي تبني الأدوار واكتساب صفات الذكورة بالنسبة للذكور وصفات الأنوثة بالنسبة للإناث، ويتضمن التنميط الجنسي اكتساب المعايير السلوكية والميول والاهتمامات ونوع الألعاب والنشاط العام، فتجد الذكور يهتمون بالنشاط التنافسي مثل الألعاب الرياضية، وركوب الدراجة وما شابه ذلك، بينما تهتم الإناث بالحياكة والأشغال اليدوية وأعمال المنزل وما شابه ذلك. إن الجنسين يختلفان بحكم الوراثة والبيئة والعضوية ووظائف الأعضاء، ومع النمو يتميز الجنسان اجتماعيًا من حيث الملابس والميول والمعايير والسلوكية وخصائص الشخصية.
وفي نهاية مرحلة الطفولة يبتعد كل جنس عن الجنس الآخر، ويظل هكذا حتى المراهقة، وتكون الاتصالات الاجتماعية بين الجنسين مشوبة بالفظاظة ونقص الاستجابة والمضايقات والخجل والانسحاب.
والمتأمل للتشريع الإسلامي المتعلق بحضانة الصغار يلمس إدراكًا عبقريًا للفروق بين الاحتياجات التربوية للذكر عن تلك المتعلقة بالأنثى في عالم الأطفال، وفي ذلك تقول الدكتورة كوثر محمد المنايو: تنتهي حضانة النساء للصبي في الإسلام، بانتهاء المدة التي يحتاج فيها إلى النساء، وذلك بأن يأكل ويشرب ويلبس وحده ثم يكون مع أبيه حتى يبلغ سن الرشد، فيستقل حينئذ بنفسه، وتنتهي حضانة البنت، إذا بلغت البلوغ الطبيعي للنساء، فإذا كانت الأم مطلقة لا يحق لها أن يبقى الولد عندها بعد انتهاء فترة الحضانة بل يجب عليها أن تعيده إلى وليه الذي يرعاه ويقوم على تأديبه بأنواع التربية والتهذيب والتأديب والتخلق بأخلاق الرجال، وتحصيل أنواع الفضائل واكتساب أسباب العلوم، والأب على ذلك أقوم وأقدر, فلو ترك في يد الحاضنة لتخلق بأخلاق النساء وتجلى بشمائلهن، أما البنت فلا بأس من تركها في يد الأم, بل إن الحاجة ماسة إلى جعلها في يدها إلى وقت البلوغ لحاجتها إلى تعلم آداب النساء والتخلق بأخلاقهن ولا يحصل ذلك إلا بأن تكون عند الأم ثم بعد وصولها إلى هذه المرحلة تكون الحاجة إلى حمايتها وصيانتها وحفظها عما يطمع فيها والرجال على ذلك أقدر.
بعد الكبر:
هذه الفروق التي تبدأ بين الجنسين منذ الصغر تستمر معهما عند الكبر وقد أثبتت الدراسات العلمية هذه الفروق بين الرجل والمرأة، من الناحية العضوية فإنه عند سن البلوغ ينشأ الخلاف الفعلي بين أجساد الإناث والذكور.
تبدأ الخصية لدى الصبيان بإفراز هرمونات جنسية ذكرية، أو أندروجين، أهم ما فيها هو التيستوستيرون الذي يسبب العديد من التأثيرات الجسدية المسئولة عن كل الخصائص الذكورية للذكر وهكذا تحصل مجموعة من الظواهر الجنسية الثانوية، كحال نمو الذقن وشعر الصدر، هذا إلى جانب عمق الصوت. نذكر أيضًا أن التيستوستيرون هو المسئول عن النمو السريع الذي يحصل في هذا السن.
يحدث هذا النمو في وقت متأخر لدى الذكور، ويدوم لمدة أطول منه لدى الإناث، يتجسد ذلك بنمو أشد وضوحًا في تركيبه العضلات والأطراف السفلية التي يعتمد عليها نمو الشباب أطول من الفتيات، أضف إلى ذلك أن توزيع الدهون لدى الرجال يختلف بحيث يذهب السواد الأعظم منه إلى المعدة والجزء الأعلى من الجسم.
تبدأ الفتاة عند بلوغها أيضًا بإفراز هرمونات جنسية هي الأستروجين من مبيضها، والتي تختلف تأثيرها عن تأثير التستوستيورن بحيث تنمي المبيض والرحم وتدفع الإباضة الأولى، الأستروجين هو المسئول أيضًا عن الشكل الأنثوي الذي يتميز بضيق الكتفين واتساع الحوض. كما يختلف جسد المرأة من حيث توزيع الدهون. إذ ينمي السواد الأعظم منها الفخذين والردفين. علمًا أن جسد الأنثى عادة ما يحوي ضعف نسبة الدهون لدى الرجل. تنتج المرأة نوعًا آخر من الهرمونات وهي البروجيستيرون خلال المرحلة الثانية من دورة مبيضها، أي بعد كل إباضة، حيث يتولى البروجيستيرون مسئولية نمو النهدين وبدء المحيض.
أثناء حياتهما سيتعرض الرجل كما المرأة للأمراض. ولكل جنس مكامن ضعفه، فالرجل أكثر تعرضًا لأمراض القلب من المرأة بمعدل الضعف، ذلك أن التيستوستيرون يؤدي إلى تنمية ما يعرف بالكوليسترول السيئ على جدران الأوعية الدموية، بينما يعمل الأستروجين لدى المرأة إلى تنمية ما يعرف بالكوليسترول الجيد الذي يتولى تنظيف الأوعية الدموية.
إلا أن المرأة تتوقف عن إنتاج الأستروجين بعد سن اليأس، مما يجعلها معرضة لأمراض القلب، بمعدل النسبة ذاتها لدى الرجال.
ذكاء واحد ودماغان مختلفان:
رغم أن الذكاء موزع بالتساوي لدى الجنسين، فإن ذلك لا يعني أن دماغ المرأة شبيه بدماغ الرجل، فقد تم مؤخرًا الكشف عن خلاف في سبل تنظيمها وأساليب عملها.
فقد قام علماء من جامعة 'ولاية نيويورك' في بافالو في الولايات المتحدة بإجراء تجارب على سبعة عشر ولدًا وثماني عشرة بنتًا تتراوح أعمالهم بين الثامنة والحادية عشرة، لدراسة كيف تتغير الموجات الدماغية في جزئي الدماغ عند القيام بعملية التعرف على تعابير وجوه معينة عرضت عليهم، ووجد العلماء أن كل جنس استخدم جزءًا من الدماغ يختلف عن الجزء الذي استخدمه الجنس الآخر في معالجة المعلومات. ويعتقد العلماء أنه من المحتمل أن الأولاد تعرفوا على تعابير الوجوه بطريقة عامة، وهي مقدرة مرتبطة بالجزء الأيمن من الدماغ بينما عالجت الفتيات معلومات بطريقة خاصة، وهي قدرة مرتبطة بالجزء الأيسر من الدماغ.
فوارق أكثر وأكثر:
الرجال لا يستطيعون التعبير عن عواطفهم فيلقون ما تحويه جعبتهم مرة واحدة .. بينما تستخدم المرأة المحاورة والكلام غير المباشر مما يجعلها قادرة على التحكم في الحديث كما ترغب وهي عندما تتحدث تستخدم الابتسامة أو حركات لتعبير عن التعجب أو الغضب، والمرأة تتحدث أكثر من الرجل وتقرأ أسرع منه وهي أقل إصابة بأمراض القلب وقرحة المعدة، ومعدة المرأة أكبر حجمًا من معدة الرجل، والمرأة تحرق الأوكسجين أسرع من الرجل حيث تزيد وتقل نسبة كرات الدم الحمراء مما ينتج عنه سرعة إغمائها، أما مخ الرجل فيزيد في وزنه عن مخ المرأة بمقدار 100 جرام ونسبة وزن مخ الرجل إلى وزن جسمه 1 إلى 40, ونسبة وزن مخ المرأة إلى وزن جسمها 1 إلى 44. ويقول الباحثون أنهم وجدوا أن تخزين المعلومات في الدماغ يختلف في الرجل عنه لدى المرأة، وهو ما يفسر سر تفوق الرجل على المرأة في عالم التخصص في كل الاختراعات والابتكارات، بل إن كل الفنون والأعمال التي من المفروض أن تتفوق فيها المرأة زاحمها فيها الرجل ونال السبق والفوز مثل الطبخ والأزياء .. ويدق قلب الرجل في المتوسط 72 دقة في الدقيقة الواحدة .. بينما يدق قلب المرأة أكثر من الرجل. وجسم الرجل في المتوسط يحتوي على 20 قدمًا مربعًا من الجلد أما جسم المرأة فيحتوي على 17 قدمًا مربعًا من الجلد، ويلجأ الرجل إلى استخدام الدعابة للتأثير على الآخرين في حين تلجأ المرأة إلى التعبير بالوجه والجسم للتأثير على الآخرين، ويفضل الرجل النظر إلى الأشكال ذات الزوايا الحادة مثل شكل الماسة في حين تفضل المرأة النظر إلى الأشكال الدائرية مثل شكل القلب، وعند تناول الرجل وجبة من النشويات يشعر بالهدوء في حين تشعر المرأة بالنعاس عند تناول النشويات، ويصاب 4% من الرجال بعمى الألوان في حين تصاب 1 ـ5% من النساء بعمى الألوان، الكرات الدموية البيضاء لدى المرأة أكثر من الرجال وجهاز المناعة لديها أقوى.
وقد أكدت دراسات علمية أن النساء يمضين سنين أطول بعقل سليم وبذكاء يحسدن عليه, وجاء في الدراسة التي أجريت لمصلحة جامعة ليدن في هولندا وشملت 599 شخصًا تتجاوز أعمارهم الخامسة والثمانين أن النساء أسرع استجابة وعقولهن أكثر حدة. كذلك أظهرت أن النساء يتفوقن على الرجال في القدرة على استعادة الماضي والتذكر وسجل 34% من النساء اللاتي خضعن للاختبار سرعة عالية من الإجابة على الأسئلة في مقابل 28% من الرجال.
وما فاجأ الخبراء أن 70% من المستطلعات لم ينلن تعليمًا عاليًا وعلى رغم ذلك سجلن نتائج عقلية أفضل من الرجال المتعلمين وعزا الخبراء السبب في ذلك إلى عوامل بيولوجية لا نفسية إذ إن دماغ المرأة مهيأ ليعمل مدة أطول لأنها تعيش عمرًا أطول، وأفادت نتائج بحث آخر أن قدرة النساء المسنات العقلية أفضل مما هي لدى الرجال ويرجع ذلك إلى كونهن أقل عرضة للإصابة بالنوبات القلبية مما يجعل تدفق الدم إلى أدمغتهن أيسر .. وأجرى الخبراء في هذا البحث اختبارًا لمعرفة سرعة التفكير والقدرة على التذكر لدى المبحوثين فحقق نسبًا أعلى في اختبارات سرعة الفهم والقدرة على الاحتفاظ بذاكرة قوية .. وتبين مقابل 28% عند الرجال.
وقال العلماء: إن دراستهم أوضحت أن تلك الاختلافات لا علاقة لها بالمستوى التعليمي لأن النساء عينة البحث كان تعليمهن أقل من الرجال ورجحوا أن يكون الاختلاف في الوظائف العقلية راجعًا إلى أمور عضوية كالغياب النسبي لأمراض الشرايين عند النساء.
مختلفان منذ البداية:
الاختلاف بين الجنسين يبدأ من الصغر, تقول إحدى الأمهات: عندما رزقنا بولد وبنت، قررت أنا وزوجي ألا نفرق بينهما في المعاملة، فعملنا على أن يكون كلاهما محبوبًا ويلقى رعاية وتربية تجعل منه شخصًا شجاعًا، نشيطًا، طموحًا وشغوفًا بالمعرفة، ولكن عندما كان ابني ـ البالغ من العمر الآن سبع سنوات ـ في سن الثمانية عشر شهرًا كان دائمًا ما يمسك الخبز على شكل أسلحة ويصوبها نحو القطة أما ابنتي فقد كانت في شهرها الخامس عشر تحب عروستها وتختفي في غرفتها لفترات طويلة تقيم حفلات شاي تستضيف فيها مجموعة من اللعب على شكل حيوانات محشوة.
لماذا يتصرف أطفالنا بمثل هذا السلوك النمطي حتى لو حرصنا على تربيتهم بالأسلوب نفسه؟ في الواقع، يبدأ معظم الأولاد والبنات في التصرف بشكل مغاير عن بعضهم البعض في سن مبكرة جدًا، دون أن يستخدم الوالدان أسلوبًا للتربية يميز بينهما.
الأولاد أقوى، والبنات أكثر اتساقًا:
هناك اختلاف نفسي وعصبي بين الأولاد والبنات منذ الميلاد، كما أن هناك تباينًا في الهرمونات وهيكل المخ من المحتمل أن يكون سلبيًا في التفاوت أو الاختلاف الملحوظ بينهما من مرحلة الطفولة. فلقد توصلت الأبحاث مثلاً إلى أن الأولاد أكثر طولاً ووزنًا من البنات، ويبدون استعدادًا أكثر للسلوك الحركي مثل الدفع بأقدامهم أو التلويح بأذرعهم، كما أنهم يتمتعون بقوة عضلية اكبر وبسبب تقاليدنا التي تصور الذكور على أنهم أكثر نشاطًا من الإناث يفترض الوالدان أن مثل هذا السلوك عند الأولاد سلوك مطلوب، وغالبًا ما يعززان هذا السلوك بتشجيعه والثناء عليه.
على الجانب الآخر، فإن البنات أكثر اتساقًا من الأولاد من الناحية الجسمية، ويملن إلى النوم لفترات أقل، كما أنهن أفضل من حيث القدرة على تهدئة أنفسهن. كما تظهر البنات سلوكيات من أن هذه الفوارق بسيطة وقد لا ندركها، لكنها تبدو أكبر بسبب توقعنا لها. في إحدى الدراسات التي أجريت طلب من الدارسين بإحدى الكليات أن يدونوا رد فعل الأطفال تجاه بعض الألعاب، وعندما قيل للدارسين إن هذا الطفل بنت [حتى وإن كان في الواقع ولدًا]، ذكروا أن الطفل كان خائفًا من لعبة 'عفريت العلبة', وعندما قيل لهم إن الطفل ولد [وإن كان في الواقع بنتًا] ذكورا أن الطفل غضب عندما انفجرت اللعبة في وجهه. وهكذا نجد أن الأفكار المسبقة لدى الدارسين والخاصة بسلوك الأولاد والبنات قد أثرت على ملاحظاتهم.
مثل هذه الدراسات لا تنفي حقيقة وجود تفاوت بين أفراد من الأولاد والبنات، لكنها لم تتوصل إلى السبب, إذ من الصعب تقريبًا معرفة ما إذا كان سلوك طفل في عامه الأول يرجع إلى نوعه أو جنسه أو مزاحه الفطري أو إلى أسلوب تنشئته.
ولكن يتدخل الوالدان دائمًا لتعليم أولادهم السلوك المناسب للولد والآخر المناسب للبنت، حيث تنهمر هذه الرسائل على الأولاد وهم ما زالوا في سن صغيرة. فعلى سبيل المثال: عندما بكى ابني البالغ من العمر واحدًا وعشرين شهرًا بسبب أن أخته قد أخذت منه لعبته ربت والده على كتفه قائلاً: لا يصح هذا، يجب أن تتصرف كرجل'.
إن الفهم التام لخصائص النوع أو الجنس وإدراك أن هذه الخصائص لا تتبدل مع تغير قصة الشعر ـ مثلاً ـ أمر مهم للوالدين فقد أثبتت الدراسات أن الطفل في عامه الأول يعرف أساسيات هذه الخصائص. وأن الأطفال في العمر ما بين ثمانية عشر شهرًا وثلاثين شهرًا يعرفون نوعهم إن كانوا ذكورًا أو إناثًا، ويصنفون الآخرين أيضاً ما بين ذكور وإناث. أما دور كل نوع فهو مرتبط بالسلوك الذي يقلده الأطفال، ولهذا فإن هذا الدور مرتبط ارتباطًا كبيرًا ببيئة الطفل. فنحن نعطي أولادنا آلافًا من الرسائل حول ما هو صحيح وما هو غير صحيح. وقد تكون بعض هذه الرسائل أو الإشارات خفية أو غير واضحة ولكنها تؤثر على الطفل تأثيرًا مباشرًا وقويًا.
إحدى الطرق التي يبدأ الأطفال الكشف بها عن دور كل جنس من الجنسين أو سلوكه هي اللعب التمثيلي [أي يلعب الطفل دور الأب أو الأم مثلاً] فالبنات يجربن أدوات التجميل الخاصة بالأم، والأولاد يلبسون الحذاء الكبير الخاص بالأب، ويلعبون بالمطارق.
حقيقة أن الطفل ولد أو بنت مسألة مهمة تحدد عناصر ماهيته، ومن المهم أن نوازن بين الإشارات أو الرسائل التي يتلقاها الطفل من العالم حوله من خلال الألعاب المتنوعة والأنشطة والخبرات فعندما نخبر الأطفال أن كلاً من الأولاد والبنات يستطيع القيام بأي شيء يريده فسيصدقون ذلك. وتختلط لديهم الأدوار.
فالأبناء يتقمصون أدوار آبائهم وأمهاتهم، وفكرة ابنك عن 'الأم' أو 'الأب' تبدأ من البيت ثم تمتد إلى بقية المجتمع، ولذا يقدم الوالدان لأبنائهم التصورات الأولية عن الرجل والمرأة ودورهما ويبدأ توجيه الوالدين لطفلهما لا شعوريًا على أساس 'الولد ولد' فيدفعانه للنشاط والحركة بينما يشجعان ابنتهما على الكلام ويستدرجانها نحو الثرثرة. أحد الأبحاث كشف أن الأب يكلم ابنته ضعف ما يكلم ابنه، وفي بحث أخر تبين أن أمهات الأطفال من سن 1 على 5 سنوات يثرثرون مع البنات أكثر مما يفعلن مع الأولاد ويبدين اهتمامًا أكبر بملبس البنات ومظهرهن وشعرهن.