الطب النبوي
 


من جلسات العلاج بالقرآن ..إلى دكاكين التداوي بالحجامة ..
ويا قلب احزن!!
دكاكين.. وشقق.. ولوحات " نيون " أحيانا .. و أخيرا ..عيادات "بلا أطباء " للعلاج بالحجامة وادعاءات لا تنتهي عن فاعليتها وقدرتها على التعاطي مع مختلف الأمراض...
وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر الناس بالتداوي ، وإنما أمرهم بالحجامة , والحجامة كانت على عهد الرسول ، ومع ذلك كان يقول عليه الصلاة والسلام : " تداووا ،عباد الله؛ فإن الله -سبحانه- لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلاَّالهرم" ( رواه الأربعة واللفظ لابن ماجه). و لم يدلهم على الحجامة فحسب ، وإنما أمرهم بالتداوي وأطلق مفهوم التداوي ولم يقيده بنوع معين من العلاج , فمن أين يطلع علينا هؤلاء الذين لا هم علماء بالحديث ولا هم أطباء بتلك الدعايات السخيفة .

وإذا كان كثير من الناس يتحولون اليوم من العلاج الدوائي إلى الطب الشعبي والتقليدي.. فإن من الناس أيضا من يتحول إلى الطب النبوي، وهم لا يرون فيه مجرد طريقة للحصول على الشفاء.. بل يرون فيه سبيلا للفوز بمحبة الله وفرصة لمغفرة الذنوب, وهكذا يصبح للتداوي مبررات أخرى أعظم من الشفاء ذاته, و نحن لا ننكر أن المؤمنين بالطب النبوي والحجامة جزء منه ، قد يجدون راحة نفسية تساعدهم على تجاوز المرض وتدعمهم نفسيا ، كما لا ننكر مطلقا القيمة العلمية الرائعة لعلاج عتيق شهد له الزمن مثل الحجامة.. ولكن ليس على هذا النحو المشين , الذي يستغل حماس المسلمين الديني ويدغدغ عواطفهم تجاه النبي (ص) بطريقة بشعة ورخيصة باسم الدين .. وليس بهذا التطبيق المبالغ بحجة إحياء السنة الغائبة.. الذي دفع الناس إلى تلفيق قصص عن الشفاء السحري بفعل الحجامة وحكايات أقرب إلى المعجزات ، لو صح النزر اليسير منها ، لأصبحنا حديث العالم في مكافحة الأمراض القاتلة والفتاكة ولبات الوطن العربي قبلة للمرضى والموجوعين من أنحاء العالم! !

وهكذا تم تعطيل العقل البشري بمهارة يحسد عليها من قام بتدشين تلك الأكاذيب , وسنظل مجتمعاتنا وأمتنا في جهل مطبق ما دام هؤلاء الدجالون يعبثون بالمجتمع باسم السنة – والسنة منهم براء- بدءا بعيادات الدجل التي يطلقون عليها العلاج بالقرآن – والقرآن منهم بريء- مرورا باستشارات تفسير الأحلام , وانتهاء بالحجامة التى رأوها فرصة مناسبة تقذف بهم بين صفوف الأطباء في غمضة عين !!

وهؤلاء للأسف يتشبثون ببعض النصوص التي جعلوها تخدم مصالحهم ، ويلجأون إلى أسهل الطرق للكسب السريع ، وهو استغلال الظروف المرضية للعامة من الناس ., و بلغت بهم الجرأة حد افتتاح عيادات بلا أطباء يصل قيمة الكشف فيها لأرقام لا يحلم بها أطباء قضوا جل حياتهم في الراسة والأبحاث الطبية !!

دعونا نتساءل .. ماهي الثوابت الشرعية التي يتحدثون عنها؟ هل استخدام السنة والمتاجرة بها من ثوابت الإسلام؟؟؟؟ أود فقط لو ذكر لي أحد هؤلاء الغيارى على السنة النبوية نصا واحدا يفيد بأن الصحابة رضوان الله عليهم افتتحوا دكاكين للعلاج بالأدوية التي ذكرها النبي (ص) أو عيادات لإجراء الحجامة؟ أم أن الصحابة على قرب عهدهم بالنبي (ص) والتصاقهم بحياته اليومية لم يفهموا كيف يطبقوا السنة بينما تكفل بذلك هؤلاء المتاجرون باسم الدين؟

لقد توجه النبي بنفسه للطبيب الذي أجري له الحجامة ولم يمارسها عليه السلام بيده ولم يحاول تعلمها أو معالجة أهل بيته على الأقل بها.. اما ما يفعله هؤلاء الدجالون فهو امر محدث لم يعرفه السلف في عصر صدر الإسلام ..وجاءنا به الخلف في عصور الانحطاط الثقافي والسياسي والإقتصادي كنتيجة طبيعة وإفراز طبيعي لعقول ملأها الصدأ والجهل والتدني المعرفي وقبل كل ذلك الرغبة في الكسب السريع...

الإسلام اعلى بكثير من أن يعطي هؤلاء الدجالين مسوغ لتجارتهم .. والحقيقة أنهم استغلوا المقوله الماركسية الشهيرة " الدين أفيون الشعوب " واستفادوا من الجهل الرابض على عقول شعوبنا , ولم يفهموا الآيات العظيمة التي تدعو للعلم عبر البحث والتجريب والمشاهدة،- قال الله تعالى: (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض)., وتلك الآية التي توسد كل أمر لأهله " فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون

ولم يلتفتوا أو أغفلوا تأكيد النبي (ص) على أن تحصيل العلم بالطب وممارسة التطبيب شرط في التعرض لعلاج الناس بأية وسيلة علاجية، وحذر من ممارسة مهنة الطب للجاهلين به لأن في ذلك أذى للناس وتلفا للأنفس.

عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال :" حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي قال:" قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):" أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن"؛.(أبو داود) , أي إن وقعت أخطاء ممن يتصدى لعلاج الناس؛ ولم يعرف عنه دراسة للعلوم الطبية وممارسة للعلاج الطبي فهو ضامن لكل الأخطاء الناتجة من أفعاله، وعليه تعويض المرضى مما قد يحدث لهم جراء فعله وإن حسنت نيته. " فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس , وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه, فيكون قد غرر بالعليل, فيلزمه الضمان لذلك , وهذا إجماع من أهل العلم". ( زاد المعاد :3\70 ) .

وستظل مجتمعاتنا في سباتها العميق ما لم ينهض الواعين منه بحملات توعية وتثقيف شاملة لكل فيه التباس للطب بالدين , فقد استغل الطب باسم الدين على مر العصور , ولا يليق بنا أن نراقب في صمت تلطيخ سمعة الهدي النبوي وفتح الباب على مصراعيه للمعارضين والجاحدين لها الذين يتخذون من الشذوذ قاعدة ينطلقون منها للطعن في الدين مستندين إلى أفعال شائنة لحفنة من الجهال المنتسبين لهذا الدين العظيم.

وكان الأجدر بنا أن نقبل على تلك الثروة من الأحاديث التي تضمنت مضامين طبية بالدراسة المتأنية والمعمقة لاستنباط ما ينفع الناس بحق , وأن نتجه للاهتمام بالحجامة كوسيلة علاجية ومعرفة أسرارها بدل الدجل الذي يقدم باسم الإسلام يوميا

فقط سؤال يحترق بقلبي ليلا ونهارا .. ماهو نوع " الطب الديني" الذي يستعين به الإنسان الياباني أو الأمريكي ليقدم لنا تقنيات الطب المذهلة و أحدث تكنولوجياالطب المعاصر, التي نأمل ألا نظل عالة عليها أبد الدهر!!
‏24‏/08‏/2004
د. صهباء محمد بندق