امرأة في عين العاصفة  



بقلم د. صهباء محمد بندق



حين يخفت نضال الرجال ..تبرز أكثر قيمة نضال المرأة..ويصبح دينا على كل من طالته ثمرات نضالها ..وساهم جهدها في إيصال الحق إليه ..أو دفع الأذى عنه أن يرد التحية بخير منها وزيادة ..وأن ينشر ملحمة جهادها إحقاقا للحق وتثبيتا للمجاهدين الجدد ..

....وإذا كانت الرموز النسائية المتعددة الاتجاهات الفكرية والسياسية قد حظيت بالشهرة والانتشار سيما في النصف الأخير من القرن المنصرم , فمن الملاحظ أن هذا لا ينسحب على الرموز النسائية الإسلامية اللاتي لم يحظين بالانتشار الذي لمثيلاتهن من التيارات الأخرى ويكاد ينحصر ذكرهن وتأثيرهن على ذوات الانتماء الإسلامي فقط..بخلاف الرموز النسائية العلمانية التي استطاعت الدوائر الإعلامية العربية والغربية إبرازهن وتسليط الأضواء عليهن كرموز عامة ونماذج تمثل المرأة العربية..والحقيقة أنهن نماذج للتبعية الغربية والانسلاخ عن الذات ..ومن صفحات ذلك السجل المنسي نستقرئ سيرة امرأة أكدت أن الجهاد قدر يلقى على أكتاف النساء كما الرجال ..امرأة تجاوز جهادها مسألة تحرير الأنثى إلى مسألة تحرير الإنسان ..!!!


**زينب ..الطفولة التي عجز عنها الرجال

 ولدت زينب الغزالي الجبيلي في الثاني من يناير للعام1917 م باحدي قرى محافظة البحيرة بمصر ..ينتهي نسب والدها من أبيه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ..ونسب أمها إلى الحسن بن علي ..وكان جدها تاجرا شهيرا للقطن ووالدها من علماء الأزهر الشريف.. وقد أثرت تربيته الدينية أشد الأثر في زينب و رمت بجذورها في روحها حتى لكأننا نتلمس روح الأب الممتدة في جسد ابنته التي كان يناديها نسيبه تيمنا بالصحابية الجليلة نسيبه بنت كعب المازنية الأنصارية..التي تزينت باثني عشر وساما ما بين طعنة وضربة سيف تلقتها يوم أحد حين ثبتت مع النبي عليه السلام في ساعة تراجع من حوله الناس ..وكأن الوالد يؤهلها لما تخبئه لها الأيام فيصنع لها سيفا من خشب ويخط لها دائرة على الأرض بالطباشير ويقول لها قفي واضربي أعداء رسول الله ..فكانت تقف وسط الدائرة ..تضرب يمينا وشمالا..من الأمام والخلف..ثم يسألها كم قتلت من أعداء رسول الله وأعداء الإسلام ؟..فتجيب المجاهدة الصغيرة : واحدا..فيقول لها اضربي ثانية..فتسدد الصغيرة طعناتها في الهواء وهي تقول: اثنان ..ثلاثة..أربعة..!!!
بعد وفاة والدها انتقلت مع والدتها إلى القاهرة للعيش مع اخوتها اللذين يدرسون ويعملون هناك ..ولم يوافق أخاها الأكبر محمد على تعليمها رغم إلحاح زينب وإصرارها ..وكان يقول لوالدته: إن زينب قد علمها والدها الجرأة وألا تستمع إلا لصوتها ولعقلها ..ويكفيها ما تعلمته في القرية ..وكانت والدتها ترى أن عليها طاعة أخيها لأنه بمثابة الوالد..لكن الله قيض لها أخوها علي وهو الأخ الثاني الذي رأى أن تعليمها سوف يقوم أفكارها ويصوب رؤيتها للأشياء والناس ..واقتنى لها الكتب ..وأهمها كتاب ل عائشة التيموريه عن المرأة ..حفظت زينب أكثر مقاطعه.. لكنها لم تكتف بالكتب والقراءة الحرة.. فخرجت ذات يوم من منزلها بحي شبرا وعمرها اثنى عشر عاما وراحت تتجوَّل في الشوارع، فوقعت عيناها على مدرسة خاصة بالبنات فطرقت بابها، وعندما سألها البوَّاب عن غرضها، قالت له: جئت لمقابلة مدير المدرسة فسألها: لماذا؟ فقالت وهي واثقة من نفسها:أنا السيدة زينب الغزالي الشهيرة بنسيبه بنت كعب المازنيه..ولدي موعد معه..فأدخلها البواب وهو يتعجب من طريقة هذه الفتاة الصغيرة.!!!
دخلت مكتب المدير وبادرته قائلة في طريقة آلية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..أنا السيدة زينب الغزالي ولقبي نسيبه بنت كعب المازنية..فنظر إليها الرجل وتصور أن بها مس من الجن ..ثم سألها ماذا تريدين يا سيدة زينب أو يا سيدة نسيبه؟ فقصت عليه قصتها وموقف شقيقها الأكبر من تعليمها وطلبت منه أن يقبلها طالبة في مدرسته..وعندما سأل عن والدها وأخيها عرفها وعرف أسرتها ..وعرف جدها تاجر الأقطان المشهور و والدها الأزهري المعروف ..وأعجب مدير المدرسة بذكاء الفتاة وجرأتها ..فطلب منها إحضار أخيها على الذي يؤيد تعليمها ليسجلها في المدرسة ..وأجرى لها اختبارا في بعض الأسئلة ..فأجابته بكل ثقة..ثم انتقلت بعده إلى الصف الأول وبعد شهرين من انتظامها في الدراسة أجرى لها اختبارا ألحقها على إثره بالفصل التالي...وهكذا درست زينب في المدارس الحكومية لكنها لم تكتف بذلك ..فأخذت تتلقى علوم الدين على يد مشايخ من الأزهر منهم عبد المجيد اللبان و محمد سليمان النجار رئيس قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر ..والشيخ علي محفوظ من هيئة كبار العلماء بالأزهر..وبهذا جمعت زينب بين العلوم المدرسية الحديثة والتقليدية القائمة على الأخذ المباشر من الشيوخ

.
**حفظوا الله في حياتهم ..فحفظ الله ذرياتهم في مماتهم

 بعد حصولها على الثانوية طالعت في إحدى الصحف أن الاتحاد النسائي الذي ترأسه هدى شعراوي ينظم بعثة إلى فرنسا تتكون من ثلاث طالبات , تمنت زينب أن تكون ضمن هذه البعثة وتوجهت من فورها إلى مقر الاتحاد والتقت هدى شعراوي التي تعاطفت معها ورثت لحالها وموقف أخيها المتزمت معها وعلى الفور سجلتها في جمعيتها وأظهرت ترحيبها بها وسعادتها بصيدها الثمين ..فزينب خطيبة مفوهة تلقت الخطابة والإلقاء عن والدها رحمه الله ..وراحت تقدمها لرواد الجمعية وتطلب منها أن تخطب فيهن ...وكانت ترى فيها خليفتها للاتحاد النسائي ..وسرعان ما وجدت زينب اسمها على رأس البعثة التي تمنتها..لكن الله أراد لها غير ذلك.
بعد شهر من إعلان البعثة تحدد موعد سفر أعضائها ..كانت الأحلام السعيدة تداعب قلب زينب وعقلها المتدفق حيوية وأملا ..ومن بين تلك الأحلام كان الحلم الأكثر تميزا وتأثيرا ..يوم رأت والدها في منامها يطلب منها عدم السفر إلى فرنسا ويقول لها : إن الله سيعوضك في مصر خيرا مما ستجنينه من البعثة..فقالت له : كيف؟ قال: سترين..ولكن لا تسافري لأنني لست راضيا عن سفرك ..وكأن روح الوالد الحنون تتسلل من عالمها الغيبي لتحنو على القلب الصغير الغرير ..تنير له الدرب..وتجنبه عثرات الطريق ..بعض الآباء يواصلون رعايتهم لأبنائهم حتى بعد وفاتهم ..ويرسلون نصائحهم وتوصياتهم من قبورهم البعيدة..!!!.
وسرعان ما عملت الرؤية مفعولها ..فاعتذرت زينب عن الرحلة ..وحل الذهول بهدى شعراوي التي كانت زينب أملا من آمالها ..وتعدها لتكون إحدى العضوات البارزات في الاتحاد النسائي ..وعندما قصت عليها زينب الرؤيا التي رأت ..قالت لها: إن من الأحلام ما يتحقق ومنها ما لا يتحقق ..لا تضيعي الفرصة من يدك يا زينب..واحتضنتها وهي تبكي ...لكن زينب أصرت على موقفها الجديد وقالت :ما دام والدي قد أمرني فلن أخالف أمره.
خياركم في الجاهلية..!!**
ظلت زينب تعمل كعضو بارز في الاتحاد رغم اعتراض بعض العضوات على خطابها الذي لا يخلو من نبرة إسلامية يرونها بعقولهم المضللة رمزا للرجعية والتخلف ..وظلت زينب تردد شعارات هدى شعراوي وتتبنى مشروعها لتنمية المرأة وإعدادها للنهوض بدورها الثقافي والاجتماعي ..ولعل للقهر والظلم الاجتماعي الذي تعرضت له زينب ..دورا كبيرا في تمردها على العادات البالية والمفاهيم الصدئة التي تتستر بعباءة الإسلام وهو منها براء..فكانت زينب تتبنى مشروع هدى شعراوي من منطلق إسلامي وهو ما يمثل فخا لكثير من الفتيات ..حيث تغريهن شعارات التحرر البراقة التي تدغدغ طموحهن المكبوت زيفا باسم الدين ..بل إن زينب خاضت حربا فكرية ضروسا ضد الأزهر الذي تنبه لخطورة السم المدسوس في العسل ..وظلت تدافع عن القنا عات التي كانت وقتها تؤمن بها بصدق وانبهار حقيقي ...وأقام الأزهر العديد من اللقاءات والمنتديات الثقافية لدحض الحجة بالحجة و إبطال زيف المؤامرة الغربية على المرأة المسلمة ..وانتدبت هدى شعراوي ثلاث فتيات لتمثيل الاتحاد في هذه المنتديات هن: زينب الغزالي وسيزا نبراوي و حواء إدريس ابنة خال هدى شعراوي .
وفي إحدى هذه اللقاءات أكد شيوخ الأزهر أن دعوة هدى شعراوي تريد الخروج بالمرأة المسلمة عن تعاليم دينها ..فقامت زينب تناضل عن هدى شعراوي ومشروعها لتنمية المرأة والنهوض بعقلها وفهمها ..بل إنها تصدت ذات يوم لعشرة من مشايخ الأزهر وانتصرت عليهم فلم يفلحوا في ردها عن رأي تؤمن به بصدق ..تماما كما لم يفلح الطغاة الذين اصطدمت بهم فيما بعد في ثني عزيمتها وقهر إرادتها ..فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام كما قال النبي الأكرم..وذهب هؤلاء العلماء إلى ضرورة وقفها عن الخطابة وطلبوا من الشيخ عبد ربه مفتاح رئيس قسم الوعظ والإرشاد منعها من الوعظ ..لكنه كان بعيد النظر وغزير الحكمة حين قال لهم : لقد واجهت زينب عشرة من علماء الأزهر ولم يستطيعوا إقناعها ونحن إذا أوقفناها عن الوعظ أنبأ ذلك عن فساد رأينا وصدق ما تدعيه لذا أرى مواجهتها ..وقد انبرى الشيخ محمد النجار لمواجهة زينب بالحكمة والموعظة الحسنة ..فاستمع إليها وهي تدافع عن هدى شعراوي و جمعيتها وأهدافها النبيلة ..وقد لاحظ الشيخ قوة بيانها وفصاحتها..وانتظر حتى انتهت من حديثها ثم تقدم منها برفق قائلا : هل تسمحين يا ابنتي أن أحدثك قليلا حول الدعوة الإسلامية ؟ فأجابت طلبه المهذب وجلست تستمع إليه..رفع الشيخ المبارك يديه إلى السماء سائلا ربه : اللهم إنِّي أسألك بأسمائك الحسنى وبكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت أن تجعلها للإسلام إنك على كل شئ قدير ..أسألك بالقران أن تجعلها للإسلام ..وصل اللهم على سيدنا محمد ..ولمحت زينب دموع الصدق التي رافقت دعاء الشيخ ..فتأثرت نفسها و سألت الشيخ وهي تخفي دمعها : لماذا تعتقد أنني لست مع الله و أنا أصلي و أصوم وأقرأ القرآن و سأحج بيت الله حين أستطيع ..كما أتمنى أن أستشهد في سبيل الله ..فقال الشيخ الحكيم: أحسبك كذلك ..واستمر يدعو لها ثم سألها :هل ستعودين إلى هدى شعراوي بعد خروجك من هنا أم ستبقين مع الله ورسوله؟..فقالت : وأنا مع هدى شعراوي أعتبر نفسي مع الله ورسوله ..لكنها عاهدته على نصرة الحق ..واستمرت علاقتها بالشيخ الذي علمها أمورا كانت تجهلها وأخرى كانت تخطئ فهمها

 
**قد ينعم الله بالبلوى و إن عمت

 تعرضت زينب بعد ذلك لحادث شكل نقطة التحول في حياتها ..فقد انفجر موقد الغاز بها وهي تعد الطعام بمنزلها وطالت النار كل جسدها ..فلزمت فراشها بعد أن رفضت السفر للعلاج بالخارج خشية أن تتكشف أمام الأغراب ..وتردد عليها الطبيب لعلاجها في منزلها دون أن يبشر ببادرة أمل في الشفاء ..وكانت صحتها تسوء يوما بعد يوم ..حتى أنها سمعت صوت أخيها يهمس للأهل في القرية بأن الطبيب أعلمهم أنها ستموت وكان يحرص ألا تسمعه زينب التي أقبلت على العبادة والتضرع إلى الله والتأهب للقائه ..فكانت تتيمم وتصلي لله : يارب إذا كان ما وقع لي عقابا لانضمامي لجماعة هدى شعراوي فإنني قررت الاستقامة لوجهك الكريم ..وإن كان غضبك علي لأنني ارتديت القبعة فسأنزعها و سأرتدي حجابي..وإني أعاهدك وأبايعك ياربي إذا عاد جسمي كما كان عليه سأقدم استقالتي من الاتحاد النسائي وأؤسس جماعة لنشر الدعوة الإسلامية و أدعو المسلمات إلى ما كانت عليه الصحابيات وأعمل من أجل الدعوة وأجاهد في سبيلها ما استطعت ..ويتقبل الله الكلمات الصادقات وتتنزل الرحمات ..ويذهل الجميع لمعجزة الشفاء الذي كان أملا بعيدا قبل أن تصعد دعوات زينب إلى السماء ..ومن الطريف أن الطبيب رفض أن يتقاضى أجرا على شفاء لم يصف له دواءا !!!


**زينب ..في ثوبها الجديد


أوفت زينب بعهدها لربها فور تمام شفائها ..وبدأت انطلاقتها الجديدة بخمار يتوج رأسها ..وإيمان يغمر قلبها ..واستقالت من الاتحاد النسائي ..نفذت زينب كما ينفذ الضوء عبر الثقوب الصدئة..عابرا بطهره غياهب الظلام و ضباب الشبهات إلى نور اليقين و صبح الحقيقة ..وحاولت هدى شعراوي أن تؤثر في قرار زينب وقالت وهي تبكي : يا زينب كنت أريدك خليفتي من بعدي ..فقالت زينب : لقد اخترت و اختار الله فأنا مع اختيار الله وسأظل ابنتك الوفية و سأذكر فضلك ومكارمك..وبالفعل لم تنقطع الصلة على المستوى الإنساني بين هدى وزينب ولم تشك زينب في إيمان هدى شعراوي على الرغم من علمانية حركتها وموقفها من الحجاب وظلت تذكرها بالخير وتقول أنها كانت تبر الفقراء وتساهم في أعمال الخير وتحج بيت الله ..وربما لا يعلم الكثيرون أن هدى عندما اشتد عليها المرض طلبت رؤية زينب فذهبت إليها ووافتها المنية وهي بجانبها وشاركت زينب في جنازتها .


وهكذا مثلت زينب إجابة مبكرة لدعوات تحرير المرأة برؤية إسلامية ..وردا مفحما على كل التيارات التي حاولت ربط تخلف المرأة بالإسلام ..بل وأثبتت الدور الدعوى للمرأة المسلمة وأن دورها الرسالي لم يتراجع ..فقد أسست جمعية السيدات المسلمات في عام 1937م ..وحصلت على التصريح من وزارة الأوقاف ولم يتجاوز عمرها الثمانية عشرة ربيعا ..وكان معها موافقة على إنشاء خمسة عشر مسجدا خرجت في وقت قصير الواعظات ..وأقامت الكثير من المساجد الأهلية ..وكانت تعقد 119إجتماعا في السنة .وأصدرت مجلة لقيت ترحيبا واسعا...وخلال عقدين من الزمان جذبت خلقا كثيرا منها بعض قيادات الثورة .
وقد زارت الكثير من الدول العربية والإسلامية لنشر الدعوة الإسلامية وإلقاء المحاضرات الدينية وأوضحت الكثير من المفاهيم حول فقه الدعوة إلى الله ..وأمضت في حقل الدعوة 53-أ-كثر من نصف قرن- التقت خلالها بأبرز رجال الدعوة الإسلامية في ذلك الوقت وتأثرت كثيرا بفكر حسن البنا ..تأثرا أثمر عن ضم جمعيتها إلى جماعته ..ومما تجدر الإشارة إليه أن حركة الأخوات المسلمات شكلت كجماعة مستقلة من قبل زينب الغزالي قبل أن تنضم إلى جماعة حسن البنا ما يبرهن على استقلال الفكر النسائي الإسلامي ..ومقدرته عن التعبير عن نفسه بنفسه دون وساطة الرجل ..ومما يؤسف له الآن أن تمثيل النساء في المؤسسات العاملة للإسلام بشتى اتجاهاتها لا يعدو أن يكون قسما للنساء لا يمثل النصف ولا يعتبر جزءا منها قدر ما يعد ملحقا إضافيا صغيرا يتسم بالتبعية و ليس له الفعالية المطلوبة ولا يسمح له بأكثر من معالجة ما يسمونه قضايا النسا ..!!!


**زينب ..الصمود و الرجولة !!!


لم يقتصر عمل الجمعية على أعمال الخير ..بل أتبعت بالعمل السياسي الذي لا يمكن فصله عن العمل الاجتماعي ..فالسياسة تلقي بظلالها على العمل الثقافي والاجتماعي الخيري ..ولما كان هدف الجمعية الدفاع عن الإسلام والمطالبة بالشريعة ودعوة المسلمين إلى كتاب الله .. فقد اصطدمت مع جميع الأحزاب السياسية ومع السلطة الحاكمة ..وبلغ ذلك الصدام ذروته باعتقالها من منزلها في 20 أغسطس من عام 1965م إثر رفضها مقابلة جمال عبد الناصر ..حين قالت لرسول الرئيس بجرأتها المعهودة أنا لا أصافح يدا تلطخت بدم الشهيد عبد الغفار عودة ..وقد تعرضت في السجن للتعذيب الشديد لكن ذلك لم يكتم صوت حزبها الإسلامي المطالب بإعادة مبدأ الشورى في الحكم ..وقد سجلت زينب محنتها الأليمة في كتابها الشهيرأيام من حياتي والذي يعد وثيقة تاريخية هامة لحقبة تاريخية مهمة من حياة الدعوة الإسلامية المعاصرة في الفترة ما بين (1964-1971م)..كما وثق فيه أسماء بعض رواد الدعوة الذين أسهموا في بقاء بعض التشريعات الإسلامية ..وللكتاب قيمته وأثره في الحركة الإسلامية ..وله كذلك قيمته الأدبية إذ يزخر بعبارات تشع بالإيحاء والتأثير ..تنم عن قلم أدبي مؤثر وحس مرهف .
ولزينب الغزالي نظرة وأمل في مستقبل المرأة المسلمة ..وترى ضرورة أن تكون القيادة النسائية للمرأة المسلمة ..ولا عجب في ذلك فإن تطوير العالم الإسلامي وتحديثه يمر عبر المرأة والنهضة بالمجتمع تبدأ وتنتهي عندها..


لقد حاول دعاة التحرير تضليل وعي المرأة باشغالها بجسدها وأنوثتها وصراعها مع الرجل وإغفال القيم الاجتماعية والدينية ..إنهم يحاولون سرقة الجوهرة النادرة منذ سنوات ..لكنهم يفشلون.. فقد سحبت هذه الموجة الكثيرات بينما رفضت زينب أن تبتلعها الأمواج الخبيثة التي تبدو وكأنها تبتسم لها وتداعبها بينما تجرها إلى قاعها السحيق ..وتمسكت بالدين الإسلامي ومنه انطلقت وبه حققت ذاتها وأصبحت نموذجا بعد أن حطمت أساطيرهم ..وصنعت أسطورتها..!!!

  -من موقع مسلمة-