في خلال الأسابيع القليلة
الماضية نشرت مجلتا Science وNature عدة أبحاث غاية في الأهمية تتصل بما
يُسمى بـ xenotransplantation هذه الكلمة تعبر عن عملية نقل الأعضاء من
الحيوان إلى الإنسان، كانت الأبحاث المنشورة كلها خاصة بالأبحاث القائمة
على الخنازير كمصدر للأعضاء، فقد نشرت كلتا المجلتين بحثين منفصلين، أعلن
فيهما تمكن فريقين من العلماء من إنتاج خنازير مستنسخة… في الوقت نفسه الذي
نشرت فيه مجلة Nature بحثاً لفريق أمريكي يحذر فيه من التسرع بالقيام
بعمليات نقل الأعضاء بين الخنزير والإنسان.
تأتي أهمية
هذا الموضوع بسبب التزايد المستمر في أعداد المرضى المحتاجين إلى أعضاء
لإنقاذ حياتهم مع صعوبة توفرها، بالإضافة إلى مشاكل رفض الجهاز المناعي
لهذه الأعضاء.. وبالتالي فكرة إنتاج أعداد كبيرة من الخنازير المستنسخة
والمعدلة وراثيا لإنتاج أعضاء وفيرة وخالية من أسباب إثارة الجهاز المناعي
للإنسان.
بدأت تجارب
نقل الأعضاء من الحيوان إلى الإنسان عام 1682 حين نقلت عظمة من
كلب إلى أرستقراطي روسي من أجل إصلاح جمجمته. نجحت العملية في
حينها، ولكن الكنيسة اعترضت بشدة على المبدأ، ما بين عامي 1963 و 1993 تمت
الكثير من عمليات النقل بين القرد
والإنسان والتي كانت نتائجها جميعا وفاة المريض في غضون ساعات أو
أيام.
يعتبر الكثير
من العلماء أن أعضاء الخنزير هي أقرب أعضاء الحيوانات من حيث الحجم
والتكوين إلى أعضاء الإنسان، وبالتالي يمكنها أن توفر بديلا مناسبا للأعضاء
البشرية أو على الأقل تعطي للمريض فرصة أطول لانتظار عضو بشري باستخدام عضو
الخنزير كمرحلة انتقالية.
بالإضافة إلى
ميزة تشابه أعضاء الخنازير مع أعضاء الإنسان، فهناك أيضًا ميزة تكاثر
الخنازير بأعداد كبيرة، والذي يفترض أن يساعد في توفير العدد الكبير
المطلوب لسوق الأعضاء.
البحث
المنشور في مجلة Nature نشره فريق PPL Therapeutics الأسكتلندي والمشهور
بإنتاجه لأول نعجة مستنسخة والمعروفة بالنعجة دوللي، أعلن الفريق في بحثهم
عن تمكنهم من استنساخ خمسة خنازير بصحة جيدة باستخدام أسلوب النقل النووي
لاستنساخ الخنازير والذي يتضمن نقل المادة الجينية من خلية خنزير بالغ إلى
بويضة مفرغة من نواتها، ثم القيام بتنشيط البويضة، والتي توضع بالتالي في
رحم إحدى الخنازير لتحمل الجنين حتى موعد ولادته.
أما مجلة
Science فقامت بنشر بحث لفريق عالمي يعلن فيه تمكنه أيضًا من استنساخ خنزير
بأسلوب مختلف، وهو سحب المادة الجينية لعملية النقل النووي من جلد جنين
خنزير.
يأمل العلماء
أن يتمكنوا في المرحلة القادمة من تعديل الخنازير المستنسخة وراثيا بحيث
يلغى الجين المعروف باسم -1,-3, galactosyl transferase والذي يتسبب في
تكوين سكر الجالاكتوز على سطح خلايا الخنازير والذي بالتالي يتسبب في إثارة
الجهاز المناعي للإنسان ورفض العضو.
ويأمل
العلماء في أن تكون مرحلة نقل الأعضاء من الحيوان إلى الإنسان مجرد مرحلة
انتقالية؛ حيث إن هناك أملا كبيرا بعد استكمال الأبحاث على الخلايا البشرية
الأصلية human stem cells والتي بإمكانها التحول لأي نسيج من أنسجة
الإنسان وإتمام قراءة الجينوم البشري أن يتمكن العلماء-ربما بعد حوالي 20
سنة من الآن- من أخذ عينة من خلايا الشخص نفسه المحتاج إلى عضو جديد لتنمو
هذه الخلايا في المعمل وتنتج العضو المطلوب.
فيروسات في أنسجة الخنازير:
ولكن وإلى
ذلك الحين فإذا نوى العلماء فعلا نقل أعضاء الخنازير إلى الإنسان؛ فعليهم
حل مشكلة أخرى، إذ إنه من المعروف
أنه منذ أمد بعيد أُصيب جنس الخنزير بفيروس يُسمى porcine endogenous
retrovirus والذي اختلطت جيناته بجينات الخنزير الأصلية لتتوارث بعد ذلك
عبر الأجيال. وكان هذا هو موضوع البحث الثاني المنشور في مجلة
Nature حيث قام فريق من العلماء بمعهد سكربس الأمريكي بحقن فئران تجارب
بخلايا بنكرياس خنزيرية حيث أصيبت عدة أنسجة للفئران بالفيروس، ولكن دون
حدوث أية أعراض، ثم عاد الفيروس إلى حالته الساكنة مرة أخرى،
كما أثبتوا أن الخلايا الإنسانية تصاب أيضا بالفيروس في المعمل.
ولأن عدد الأبحاث التي أقيمت حول هذا الموضوع الهام لا يذكر فما زال هناك
غموض كبير حول تأثير هذا الفيروس على الجنس البشري، وهناك مخاوف من
إحداثه وباء يشبه وباء مرض الإيدز خاصة أن إلغاء
الجين المسبب لتكوين سكر
الجالاكتوز على سطح الخلية الخنزيرية سيلغي رد الفعل المناعي للإنسان ضد
هذا الفيروس.
جدير بالذكر أن
الكثير من الأوبئة التي أصابت البشرية كانت بسبب نقل فيروسات من الحيوان
إلى الإنسان، فمرض الإيدز والأيبولا ومرض جنون البقر مجرد أمثلة لذلك. وبما
أن العلماء لا يزالون عاجزين عن القيام باختبارات تعرفهم بوجود فيروسات لم
يعرفوها بعد بأنسجة الحيوانات فما زالت فكرة نقل الأعضاء من الحيوان إلى
الإنسان فكرة خطيرة ليس لمتلقي العضو فحسب إنما للبشرية جمعاء.
|