فيروس الذعر الأفريقي في الجزيرة العربية!!
د. نادية العوضي
أصاب
الذعر المنطقة الجنوبية من شبه الجزيرة العربية هذا الأسبوع
بعد وفاة ستة عشر مواطنًا من منطقة الجيزان بالمملكة العربية
السعودية، وسبعين مواطنًا من وادي مور اليمني القريب من الحدود
السعودية، حسب ما نشر بوكالات الأنباء في العشرين من سبتمبر
2000م، هذا بالإضافة إلى وفاة ما يقرب من نصف مواشي المنطقتين.
تم تشخيص المرض المسبب للوفيات على أنه حمى الوادي المتصدع؛
لتكون أول مرة يخرج فيها هذا المرض في تاريخه من القارة
الأفريقية، حسب ما تقوله منظمة الصحة العالمية.
تم التعرف على هذا المرض لأول مرة عام 1930م في كينيا، وبسبب
انتشار المرض حول صدع طولي ضخم يبلغ طوله 6000 ميل يمتد من أول
لبنان وحتى موزمبيق تم تسميته بحمى الوادي المتصدع. منذ ذلك
الحين أصيبت القارة الأفريقية بعدة أوبئة لهذا المرض، منها
وباء جمهورية مصر العربية عامي 1977 – 1978م والذي أصيب فيه
مائتا ألف مواطن مصري وتُوُفِّي أثناءه ستمائة مواطن.
حمى الوادي المتصدع تصيب الحيوانات في الأصل، ولكنها قد تصيب
الإنسان في بعض الأحيان.
يسبب المرض فيروسًا من نوع الفليبوفيروس Phlebovirus المنتمي
إلى عائلة بونيافيريدي Bunyaviridae والذي ينتقل إلى الماشية
(مثل البقر والخرفان والماعز والجمال) عادة عن طريق لدغة
البعوض. يحمل البعوض الفيروس بعد تغذيته على دم الحيوانات
المصابة، وينتقل الفيروس إلى أجيال جديدة من البعوض عبر بيض
الإناث. ويستطيع بيض البعوض أن يظل صالحًا لعدة سنين في
الأجواء الجافة، وحين تغرق الأمطار الشديدة مواطن التبييض يفقس
البيض؛ ليبدأ البعوض في نشر الفيروس مرة أخرى.
وتبلغ نسبة الوفيات بين الخرفان الصغيرة المصابة بالمرض حوالي
90%، في حين تبلغ النسبة بين الخرفان البالغة 10% فقط. كما
تبلغ نسبة الإجهاض بين النعاج الحبلى المصابة 100%؛ ولذا يعتبر
حدوث عدد كبير ومفاجئ من الإجهاضات وسط الماشية مؤشرا هاما
لحدوث وباء قريب من حمى الوادي المتصدع.
انتقال المرض إلى الإنسان
ينتقل المرض إلى الإنسان إما عن طريق لدغة البعوض الحامل
للفيروس، أو عن طريق التعامل مع أعضاء أو دماء أو سوائل
الحيوانات المصابة، وربما يكون ذلك بسبب ذبحها أو تناول
ألبانها غير المعقمة.
أعراض المرض
تبلغ فترة حضانة المرض داخل الإنسان (أي الفترة ما بين الإصابة
إلى حدوث الأعراض) ما بين 2 - 6 أيام، تبدأ بعدها أعراض شبيهة
بالأنفلونزا، تشمل ارتفاعا مفاجئا لدرجة الحرارة لتبلغ ما بين
38.3 إلى 40 درجة مئوية، وصداعا وآلاما بالعضلات وآلاما
بالظهر. وكثيرًا ما تعود درجة الحرارة إلى طبيعتها بعد يومين
إلى ثلاثة أيام، لتعاود الارتفاع مرة أخرى، وبالتالي يستمر
الارتفاع العام لدرجة الحرارة أسبوعًا كاملاً.
يصاحب المرض أيضًا قيء وألم في "فم" المعدة، وفقدان للشهية،
بالإضافة إلى الخوف المرضي من الضوء (فوبيا الضوء). كما أن وجه
المريض وعينيه تكون شديدة الاحمرار.
في الحالات العادية يبدأ المريض في التماثل للشفاء السريع بعد
حوالي أسبوع من بداية الأعراض، إلا أن هناك ثلاثة أنواع خطيرة
من المرض لا يكون فيها الحال كذلك؛ ففي النوع الأول يصاحب
المرض نوع من الإعاقة البصرية.. أما النوع الثاني فيشبه
الالتهاب السحائي من أعراض الصداع الشديد والغيبوبة. تبدأ هذه
الأعراض المذكورة في النوعين السابقين بعد 1 - 3 أسابيع من
ظهور الأعراض الأولية للمرض. ووفاة المريض المصاب بهذين
النوعين نادر.
أما النوع الثالث -وهو النوع الأخطر- فهو من نوع الحمى
النزيفية hemorrhagic fever فبعد يومين أو ثلاثة من بداية
المرض تظهر على المريض أعراض الإصابة الشديدة للكبد من اصفرار
لون البشرة، ونزيف عام على هيئة تقيؤ للدم، ونزيف في البراز،
ونزيف من اللثّة ووجود طفح دموي على جسم المريض. تبلغ نسبة
الوفيات في هذا النوع أكثر من 50% في بعض الأحيان، وتحدث
الوفاة عادة بعد 7 - 10 أيام من بداية ظهور المرض.
التشخيص والعلاج للمرض
يتم تشخيص المرض من خلال اكتشاف الفيروس أو الأجسام المضادة له
في دم المريض عن طريق بعض الاختبارات المعملية.
لا يوجد علاج محدد للمرض -كما هو الحال في معظم الأمراض
الفيروسية- إلا ما يتمكن من تخفيف بعض الألم أو تخفيض درجة
الحرارة.
الوقاية من المرض
يركز العلماء في الوقاية من المرض على شيئين: إبادة البعوض،
وتطعيم المواشي.
يتم رش مناطق انتشار البعوض بهرمون الميثوبرين الذي يوقف نضج
يرقات البعوض. كما يُنصح باستخدام المبيدات الحشرية وطوارد
البعوض، بالإضافة إلى الناموسية أثناء النوم والملابس الطويلة
أثناء الخروج في مناطق انتشار البعوض.
يوجد هناك نوعان من التطعيم للمواشي: الأول هو تطعيم به فيروس
حيّ يمنح الحيوان مناعة ضد المرض مدى الحياة بعد تطعيم واحد
فقط، ولكنه يسبب الإجهاض في الحيوانات الحبلى. أما النوع
الثاني فهو مكون من فيروس مقتول ويحتاج إلى تطعيمات متكررة؛
ليمنح المناعة اللازمة ضد المرض، ولكنه لا يحدث إجهاضًا.
وبصفة عامة يُنصح باستخدام القفازات عند التعامل مع الحيوانات،
واتخاذ إجراءات وقائية مشددة عند التعامل مع الحيوانات أو
المرضى المصابين.
يعتقد أن المرض انتقل إلى المملكة العربية السعودية عن طريق
خرفان مستوردة (مات العديد منها في منطقة الجيزان في الآونة
الأخيرة)، وقامت المملكة بمنع تنقل المواشي من وإلى منطقة
الجيزان، بالإضافة إلى منع استيراد المواشي من عدة دول
أفريقية.
قامت اليمن بطلب لمساعدات عاجلة من منظمة الصحة العالمية ومركز
السيطرة على الأمراض الأمريكية، واستجابت السعودية لطلبات
المساعدة بالوعد بإرسال طائرة بها مبيدات حشرية لرشِّ البعوض
المسبب لنقل المرض.
يذكر أن المرض ظهر لأول مرة بمنطقة الجيزان السعودية في الحادي
عشر من سبتمبر 2000م. |