السواك وأثره في الصحة العامة:

قال النوويالإمام النووي: "المجموع - شرح المهذب": " السِّواك لغة بكسر السين، ويطلق على الفعل، وهو الاستياك وعلى الآلة التي يُستاك بها والتي يقال لها "المسواك" أيضاً، يقال: ساكَ فاهُ يسوكه، فقد استاك، وهو مشتق من ساك الشيء إذا دلكه وجمعه سُوُك ".

وينطبق التعريف على عود أو فرشاة تدلك بها الأسنان لتذهب الصفرة وغيرها.

الهدي النبوي في السواك:

عن أبي هريرة t أن النبي r قال: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة -وفي رواية- عند كل وضوء (صلاة) " رواه الشيخان.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: "عليك بالسواك فإنه مطهرة للفم ومرضاة للرب " رواه البيهقي، ورواه البخاري عن عائشة بلفظ: " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب " ورواه ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه.

وعن تمام بن العباس رضي الله عنهما أن النبي r قال: " مالي أراكم تأتوني قلحاً؟ استاكوا " رواه الإمام أحمد في مسنده، والقلح ترسبات صفراء في الأسنان.

وعن أنس tأن النبي r قال: " لقد أكثرت عليكم بالسِّواك " رواه البخاري، وأكثرت عليكم أي بالغت في طلبه منكم، أو في إيراد الأخبار في الترغيب فيه.

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي r قال: " ركعتان بالسِّواك أفضل من سبعين ركعة بدون سواك "أخرجه أبو نعيم بإسناد حسن،وأخرجه البزار والبيهقي عن عائشة .

وعن حذيفة بن اليمان t أنه قال: " كان رسول الله r إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسِّواك " رواه البخاري ومسلم، والشوص الغسل والتنقية والدلك والإمرار على الأسنان.

وعن عائشة رضي الله عنها " أن النبي r كان يوضع له وَضوءه وسواكه فإذا قام من الليل تخلّى ثم استاك " أخرجه أبو داود، ولفظه عند ابن ماجه: " كنا نعد لرسول الله r ثلاثة آنية مخمرة من الليل، إناء لطهوره وإناء لسواكه وإناء لشرابه "، ولفظه عند مسلم: " وكان أهله r يعدون له سواكه وطهوره "…

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان النبي r إذا دخل بيته بدأ بالسواك " رواه مسلم.

وعن أبي بردة عن أبيه قال: " أتيت النبي r فوجدته يستن بسواك في يده ويقول: أُع أُع والسواك في فمه كأنه يتهوع ". رواه البخاري (واستن: استاك، وتهوع: تقيأ).

والسواك، كم علمنا، من خصال الفطرة فقد ثبت فيما رواه الإمام مسلم عن النبي r قال: " عشر من الفطرة … وعدّ منها السِّواك ".

وعن سمرة t أن النبي r قال: " طيِّبوا أفواهكم بالسواك فإنها طرق القرآن" رواه ابن ماجه وقال السيوطي:حديث حسن،وصححه الألبانيصحيح الجامع الصغير:ناصر الدين الألباني.

فقه السِّواك:

تحصل مشروعية الاستياك د. محمد علي البار: "السِّواك" – دار المنارة – جدّة – 1994 بكل شيء خشن يصلح لإزالة بقايا الطعام والصفرة التي تعلو الأسنان والرائحة المتغيرة في الفم كعود الأراك أو الزيتون، أو عود شجرة النيم (نيجيريا) وغيرها، ويكره من عود لا يعرف حتى لا تكون منه مضرة كأن يكون في الشجرة سمٌّ أو غيره.

قال النووي  الإمام ابن القيم الجوزية: "زاد المعاد من هدي خير العباد".: " ويستحب أن يُستاك بعود أراك، وبأيِّ شيء استاك مما يزيل التغير، حصل السواك، كالخرقة الخشنة والسُّعد والأشنان. والمستحب أن يُستاك بعود متوسط، لا شديد اليبس يجرح، ولا رطب لا يزيل، وأن يُستاك عرضاً لا طولاً، وأن يُمر السِّواك على طرف لسانه وكراسي أضراسه إمراراً لطيفاً ".

واختلف في الإصبع إن كانت تُجزئ عن السِّواك أم لا. قال النوويالإمام النووي: "المجموع - شرح المهذب": " وأما الإصبع فإن كانت لينة لم يحصل بها السِّواك بلا خلاف وإن كانت خشنة ففيها أوجه، والصحيح المشهور لا يحصل لأنها لا تسمى سِواكاً ولا في معناه، وقيل يحصل لحصول المقصود وبهذا قطع القاضي حسين والبغوي، والروياني في البحر ".

ولا شك أن استعمال الفرشاة والمعجون هو من السِّواك، ومن مميزاتها أنه يمكن أن ينظف بها الإنسان باطن أسنانه بسهولة، وفي المعجون مواد منظفة ومطهرة.

وأما حكم السِّواك فقد قال النووي الإمام النووي: "شرح صحيح مسلم" دار الفكر – بيروت – 1972: " السِّواك سنة وليس بواجب في حال من الأحوال بإجماع من يعتدُّ به في الإجماع ". وذكر ابن قدامة في كتابه [المغني] أن اسحق بن راهويه وداود الظاهري قالا بوجوب السِّواك لأنه مأمور به،والأمر يقتضي الوجوب. لكن الجمهور استدلّوا بأنه سنة وليس بواجب بقول النبي r: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسِّواك " رواه البخاري.

والسِّواك مستحب في كل وقت، ويتأكد عند الوضوء والصلاة وتلاوة القرآن وعند تغير الفم بسبب طعام أو نوم، وعند دخول البيت. وقال الشافعية والحنابلة بأنه غير مستحب للصائم بعد الزوال، وكرهه بعضهم لأنه يزيل خلوف الصائم الذي هو عند الله أطيب من ريح المسك. وردّ كثير من العلماء على القائلين بالكراهة. وأن السواك مستحب للصائم، كغيره، في أول النهار وفي آخره، معتمدين على ما رواه عامر بن ربيعة tقال: "رأيت رسول الله r يستاك وهو صائم " رواه الترمذي وابن خزيمة وصححه، ورواه البخاري معلقاً وقال: قال ابن عمر: " يستاك أول النهار وآخره ".

قال ابن القيم  الإمام ابن القيم الجوزية: "زاد المعاد من هدي خير العباد".: " يستحب السِّواك للمفطر والصائم وفي كل وقت لعموم الأحاديث الواردة فيه، ولحاجة الصائم إليه، ولأنه مرضاة للرب، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشدّ من طلبها في الفطر، ولأنه مطهرة للفم والطهور للصائم أفضل أعماله، وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة وإنما ذكر طيب الخلوف عند الله يوم القيامة حثاً منه على الصوم، لا حَثّاً على إبقاء الرائحة الكريهة، بل الصائم أحوج إلى السِّواك من المفطر، وأيضاً فإن السِّواك لا يمنع طيب الخلوف –الذي يزيله– عند الله يوم القيامة، بل يأتي الصائم يوم القيامة وخلوف فمه أطيب من المسك على صيامه، ولو أزاله بالسِّواك، كما أن الشهيد يأتي يوم القيامة ولون دم جرحه لون الدم، وريحه ريح المسك وهو مأمور بإزالته في الدنيا … وقد أجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوباً واستحباباً والمضمضة أبلغ من السِّواك ".

ومن الناحية الطبية فإن رأي الجمهور في استياك الصائم أقرب لقواعد الصحة والطب الوقائي، ونحن مع الدكتور النسيمي  د. محمود ناظم النسيمي: "الطب النبوي والعلم الحديث" – بيروت – 1987، أن أهم مناسباته عند الاستيقاظ من النوم لأن بعض التنخرات تحدث في الفم خلال النوم، كما تترسب بعض المركبات من اللعاب محدثة القلح على الأسنان بسبب ركودة اللعاب أثناء النوم،لذا رأينا أن النبي r إذا قام من الليل ليتهجد يشوص فاه بالسواك.

ويشرح الإمام النوويالإمام النووي: "شرح صحيح مسلم" دار الفكر – بيروت – 1972 كيفية الاستياك كما جاءت في هدي النبوة: " والمستحب أن يُستاك عرضاً ولا يُستاك طولاً لئلا يدمي لحم أسنانه، وأن يمر بالسِّواك على طرف أسنانه وكرسي أضراسه وأن يبدأ في سواكه بالجانب الأيمن " ويضيف: " ويستحب أن يُستاك عرضاً في ظاهر الأسنان وباطنها. وأما جلاء الأسنان بالحديد وبردها بالمبرد فمكروه لأنه يضعف الأسنان ويفضي إلى انكسارها، ولأنه يخشنها فتتراكم الصفرة عليها ".

عن ربيعة بن أكثم أن النبي r " كان يستاك عرضاً ويشرب مصاً " رواه البيهقي في سننه.

وعن عطاء بن رباح أن رسول الله r قال: " إذا شربتم فاشربوا مصاً وإذا استكتم فاستاكوا عرضاً " أخرجه البيهقي وأبو داود.

يقول د. محمد علي البار: " هذه الأحاديث وغيرها مما نص على الاستياك عرضاً كلها ضعيفة لأنها مرسلة [سقط منها الصحابي]، ولكن ما هو المقصود بالاستياك عرضاً؟ إن أطباء الأسنان يقولون إن اتجاه الفرشاة في تنظيف الأسنان العلوية يجب أن يكون من الأعلى إلى الأسفل وعكس ذلك لتنظيف أسنان الفك السفلي، أي من أسفل إلى أعلى، وأطباء الأسنان يسمّون ذلك " الاستياك طولاً "، أي بالنسبة لمحور السن. فهل ما ورد في الأحاديث وكلام العلماء " عرضاً " يختلف عنه، أم أنه نفس المقصود مع اختلاف التعبير؟ إن الطول والعرض يعتمد على تحديد المحور فإن قصد محور الفم كان الاستياك عرضاً هو ذاته ما ذكره الأطباء المحدثون ".

ويقول ابن القيم  صلاح الحنفي: "السِّواك" رسالة جامعية – جامعة دمشق – 1962: " إن السِّواك متى استعمل باعتدال جلى الأسنان، وأطلق اللسان ومنع الحفر وطيب النكهة ونقى الدّماغ، وأن فيه عدة منافع: يطيب الفم ويشد اللثة ويعين على هضم الطعام ويسهل مجاري الكلام وينشط للقراءة والذكر والصلاة ويطرد النوم ويرضي الرب ويكثر الحسنات "… كما ينقل صاحب مغني المحتاج " أنه يسهل النـزع ويذكّر الشهادة عند الموت ".

الاستياك ونظافة الفم وأثرها على الصحة العامة:

إن الفم بحكم موقعه كمدخل للطعام والشراب، وباتصاله بالعالم الخارجي، يصبح مضيفة لكثير من الجراثيم  صلاح الحنفي: "السِّواك" رسالة جامعية – جامعة دمشق – 1962، والتي نسمّيها " الزمرة الجرثومية الفموية " ومنها المكورات العنقودية والعقدية والرئوية، والعصيات اللبنية، والعصيات الخناقية الكاذبة، والملتويات الفوهية والفنسانية وغيرها. هذه الجراثيم تكون بحالة عاطلة عند الشخص السليم ومتعايشة معه، لكنها تنقلب ممرضة مؤذية إذا ما أهملت نظافة الفم، أو طرأ عليها ما يضعف مقاومة البدن  د. محمود ناظم النسيمي: "الطب النبوي والعلم الحديث" – بيروت – 1987، وخاصة إذا بقيت ضمن الفم، وبين الأسنان، فضلات الطعام والشراب. فإن هذه الجراثيم تعمل على تفسخها وتخمرها، وتنشأ عنها روائح كريهة، وهذه المواد تؤذي الأسنان كذلك محدثة فيها النخور، أو إلى تراكم الأملاح حول الأسنان محدثة فيها [القلح] أو إلى التهاب اللثة وتقيحها [الرعال]. كما يمكن لهذه الجراثيم أن تنتقل بعيداً في أرجاء البدن محدثة التهابات مختلفة كالتهاب المعدة أو الجيوب أو القصبات، وقد تحدث خراجات في مناطق مختلفة من الجسم  د. عبد الرزاق كيلاني: "الحقائق الطبية في الإسلام" دمشق – 1996، وقد تؤدي إلى انسمام الدم أو تجرثمه وما ينجم عن ذلك من أمراض حمَّوية عامة.

وأهم ما يجب العناية به في الفم الأسنان. فللأسنان وظائفها الهامة، ولأمراضها أثر كبير على الصحة العامة، هنا يأتي دور السِّواك، الذي له أهميته القصوى في تخفيف البلاء الناجم عنها. فاللعاب الراكد يحتوي على أملاح بصورة مركزة، فإذا وجد سطحاً بعيداً عن حركات التنظيف الطبيعية كحركة اللسان، أو الاصطناعية كالسواك، فإن هذه الأملاح تترسب، وخاصة في الشق اللثوي، وفي عنق الأسنان، مكونة غشاوة رقيقة جداً، تتكثف شيئاً فشيئاً مكونة ما يسمى باللويحات السنية. وعندئذ تفعل الجراثيم فعلها متفاعلة مع بقايا الطعام وخاصة السكريات الموجودة في الفم مكونة أحماضاً عضوية تقوم بإذابة المينا ثم العاج ويتسع النخر مع استمرار إهمال نظافة الفم د. محمد علي البار: "السِّواك" – دار المنارة – جدّة – 1994.

ويتكون القلح أيضاً نتيجة عدم تنظيف الأسنان، وهو عبارة عن رواسب مثل فحمات وفوسفات الكلس والمغنـزيوم، مع المخاط اللعابي وفضلات طعامية تتوضع كلها فوق حافة اللثة وفي الثلم اللثوي وعلى عنق الأسنان، ثم تتصلب مع مرور الزمن مشكلة القلح وهذا مصداق كلام النبي r المعجز " مالي أراكم قلحاً؟ استاكوا ".

ويؤكد د. محمد علي البار د. محمد علي البار: "السِّواك" – دار المنارة – جدّة – 1994 أن إهمال نظافة الفم يؤدي إلى التهاب اللثة والتهاب محيط السن [الحَفَر]، والتي تزداد مع تقدم العمر مؤدية إلى فقدان الأسنان فقداناً أبدياً، وإلى إصابة العظم السنخي وضموره، كما يمكن أن تنتقل الجراثيم منها إلى الجيوب الأنفية وإلى الأوعية الدموية المتصلة بالدماغ مما ينذر بحدوث " خراجات في الدماغ أو التهاب في السحايا " أو غيرها من المضاعفات الخطيرة.

ويؤكد هذا المعنى د. عبد الله السعيدد. عبد الله السعيد: "صحة الفم والأسنان" مكتبة المنارة – الأردن – 1982 قائلاً: " أن أمراض الأسنان قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة ؛ فالجيوب اللثوية الملأى بالصديد، تندفع منها الجراثيم إلى الدم ومنه تتوضع في أماكن مختلفة من العضوية مؤدية إلى التهاب في المفاصل، أو في شبكة العين أو في الرئتين، وقد تحدث صمامات في القلب الخ…

كما أن آفات الأسنان كثيراً ما تعرقل عملية المضغ، وإن عصارات الأمعاء لا تقوم بواجبها في هضم الطعام إن لم يكن ممضوغاً بشكل جيد، مما يؤدي إلى عسرة الهضم. عدا عما تقوم به الأسنان من وظيفة جمالية لها أثرها الفعال على نفسية كل إنسان، ولسلامتها أهمية في النطق وفقدها يؤدي إلى اضطرابه ".

الهدي النبوي في نظافة الفم والأسنان:

يقول د. محمود العكام في تقديمه لكتاب " السِّواك في ميزان الصيدلة د. علي الرغبان وزملاؤه: "السِّواك في ميزان الصيدلة" دار فصلت – حلب 1997 ": " للإسلام ثنائية رائعة تنسحب قواعدها وأسسها على كل ما يليه ويحكمه ويعنى به، أنها ثنائية المظهر والمخبر، والمبنى والمعنى، ورعايتهما معاً دون إفراط من أحدهما على حساب الآخر. وحين يتوجه الإسلام إلى الفم طالباً لصاحبه من أجل تنظيفه وتطهيره دائماً، فلأن الفم محلٌّ ومبنى، ومظهر للكلمة الطيبة التي يدعو إليها الإسلام أساساً للدين. وشتان بين كلمة طيبة تصدر عن محلٍ ومبنىً ومظهر أنيق ومطهر، وبين أخرى تنبعث من فِيٍّ ذي إهمال له، يختلط طيبها مع رائحة يرفضها الإنسان السويُّ طبعاً وفطرةً ".

فالبشرية قبل الإسلام لم تعرف طرقاً معقولة لتنظيف أفواههم. فقد استعملوا أساليب، علاوة على قذارتها، فإنها تلوث الأسنان وقد تضر بها.

فمنذ عهد الرومان وحتى العصور الوسطى انتشرت عادة المضمضة بالبول  د. أحمد شوكت الشطي: "رسالة في تاريخ الطب"، حيث كانت نبيلات الرومان يفضلن البول الآتي من إسبانيا، فإن لم يتيسر استعضن عنه ببول الثيران. وكان بعض أطباء أوربا يوصون بمضغ قلب حية أو ثعبان أو فأرة مرة كل شهر من أجل نقاء أسنانهم صلاح الحنفي: "السِّواك" رسالة جامعية – جامعة دمشق – 1962 .

وفي هذه الأجواء، جاء الإسلام ليأمر أتباعه بمجموعة من الوصايا تفوق كل ما توصل إليه الطب الحديث من أمور للوقاية من نخر الأسنان والمحافظة على صحة الفم ونظافته، فأنّى للِّويحة السنية التي تسبب نخر الأسنان وتقيحات اللثة أن تتشكل لدى مسلم يلتزم بالسِّواك عند وضوئه وصلاته، وعند قيامه من النوم، وبعد طعامه؟ وأنّى لبقايا الطعام أن تبقى في فمه وتتخمر وهو يتمضمض عند وضوئه وغسله وبعد طعامه، كما بحثنا ذلك في فضل الوضوء؟

وعدا عن ذلك، فنبي الرحمة r اهتم كثيراً بما يبقى في الفم من بقايا طعامية وأمر بإزالتها وبيّن خطرها على الأسنان. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: " إن فضل الطعام الذي يبقى في الأسنان يوهن الأضراس "رواه الطبراني بسند صحيح والإمام السيوطي في المنهج السوي [حسن الأهدل] وأخرج مثله البيهقي في شعب الإيمان بسندين أحدهما عن أبى هريرة والثاني عن أبي سعيد الخدري .

كما أمر النبي r بالتخلل بعد الطعام، وهو استعمال عيدان دقيقة ينظف بها ما علق من بقايا الطعام بين الأسنان. فعن عمران بن حصين أن رسول الله r قال: " تخللوا على إثر الطعام وتمضمضوا فإنه مصحة للناب والنواجذ " رواه الديلمي وأخرجه السيوطي في كتابه (الطب النبوي)..

وعن أبي هريرة tأن النبي r قال: " من أكل فليتخلل، فما تخلل فليلفظ، وما لاك بلسانه فليبلع " رواه أبو داود وابن ماجه والدارمي والإمام أحمد في المسند.

ومن الهدي النبوي المعجز في صحة الأسنان أنه r كما صحّ في الحديث " لم يأكل خبزاً مرققاً قط " وهو الخبز المنخول الأبيض، فالنبي r كان يأكل الخبز غير المنخول فقشور الحبوب [النخالة] تحتوي على الفيتامينات وعلى مادة الفيتات Phytate وهي عبارة عن فوسفات عضوية لها دور وقائي هام ضد نخر الأسنان د. محمد علي البار: "السِّواك" – دار المنارة – جدّة – 1994، فسبحان من علمه ] إن هو إلا وحيٌ يوحى [.

وهكذا تتضافر التوجيهات النبوية في المحافظة على صحة الفم والأسنان وحمايتها من القلح والنخر وسواها. والبون شاسع بين من يقوم بهذه التعاليم بدافع العقيدة يبتغي بها وجه الله، وبين من يقوم بها لمجرد النظافة. وإن المجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر، ورغم عدم التزامها الكامل بتعاليم نبيّها، فهي –بالنسبة لموضوع نخر الأسنان– أفضل حالاً من الدول الصناعية الكبرى. ولو اهتمت الدول الإسلامية بحثِّ العلماء وخطباء المساجد على أن يقوموا بدورهم في التوعية الصحية وتبليغ المسلمين توجيهات نبيهم –سيدنا محمد r– في الحث على السِّواك ونظافة الفم، لاختفت، أو كادت تختفي حالات نخر الأسنان من مجتمعاتهم. فاتباع سنة المصطفى r تؤدي –بلا ريب– إلى سعادة الدنيا والآخرة، وإلى التمتع بحياة صحية -بدنية وعقلية- سليمة علاوة على الفوز برضا الرحمن وثوابه.

المسْواك:

أصح ما ورد في السنة أن النبي r استاك بسواك من أراك. وشجرة الأراك Saluadora Persica من الفصيلة الأراكية Saluadoraceae وهي شجيرة دائمة الخضرة تنمو في المناطق الحارة في عسير وجيزان من الأراضي السعودية وفي مصر والسودان وفي غور الساعاد (قرب القدس) وفي اليمن وجنوب أفريقيا والهند وغيرها. لها ثمر في حجم حبة الحمص يدعى "الكباث" لونه أخضر، يحمر ثم يسْود عند تمام نضجه، حلو الطعم، حاذق، يمكن أن يؤكل، الكباث مدر وطارد للريح، يؤخذ السِّواك من جذورها ومن أغصانها الصغيرة  د. محمد نزار الدقر: "روائع الطب الإسلامي ج1" القسم العلاجي – دار المعاجم دمشق – 1994.

وعيدان الأراك مغطاة بطبقة فلينية، تليها طبقة قشرية ثم تأتي بعد ذلك الألياف الدقيقة الناعمة التي تتباعد وتتفرق عند دقّ نهايات العيدان ونقعها بالماء بعد إزالة الطبقة القشرية. وفي المركز أشعة مخية تفصل بين الألياف تحتوي خلاياها على بلورات السيليس والحماضات وحبيبات النشاء، وهي العناصر الفاعلة في المسواك. هذه العناصر تتبدّد بعد أيام من استعماله، لذا تقطع الألياف المستعملة كل بضعة أيام ويصنع من نهاية العود فرشاة جديدة وهكذا يتجدد السِّواك ولا تتراكم فيه الأوساخ           صلاح الحنفي: "السِّواك" رسالة جامعية – جامعة دمشق – 1962  و  د. أبو حذيفة إبراهيم محمد: "السواك أهميته واستعماله" طنطا – 1987.

وقد أوردت مجلة “المجلة” الألمانية الشرقية في عددها الرابع [1961] مقالاً للعالم رودات – مدير معهد الجراثيم في جامعة روستوك – يقول فيهد. غياث الأحمد: "الطب النبوي في ضوء العلم الحديث".: " قرأت عن السِّواك الذي يستعمله العرب كفرشاة للأسنان في كتاب لرحّالة زار بلادهم، وقد عرض للأمر بشكل ساخر، اتخذه دليلاً على تأخر هؤلاء القوم الذين ينظفون أسنانهم بقطعة من الخشب في القرن العشرين. وفكرت! لماذا لا يكون وراء هذه القطعة الخشبية حقيقة علمية؟ وجاءت الفرصة سانحة عندما أحضر زميل لي من العاملين في حقل الجراثيم في السودان عدداً من تلك الأعواد الخشبية. وفوراً بدأت أبحاثي عليها، فسحقتها وبللتها، ووضعت المسحوق المبلل على مزارع الجراثيم، فظهرت على المزارع آثار كتلك التي يقوم بها البنسلين "… وإذا كان الناس قد استعملوا فرشاة الأسنان من مائتي عام فقط فلقد استخدم المسلمون السِّواك منذ أكثر من 14 قرناً.

ولعل إلقاء نظرة على التركيب الكيمائي لمسواك الأراك يجعلنا ندرك أسباب الاختيار النبوي الكريم، والذي هو في أصله، وحي يوحى.

وتؤكد الأبحاث المخبرية الحديثة       د. علي الرغبان وزملاؤه: "السِّواك في ميزان الصيدلة" دار فصلت – حلب 1997  و     د. عبد الله عبد الرزاق السعيد: "السواك والعناية بالأسنان" جدة – 1982  و  د. غياث الأحمد: "الطب النبوي في ضوء العلم الحديث". أن المسواك المحضر من عود الأراك يحتوي على العفص بنسبة كبيرة وهي مادة مضادة للعفونة، مطهرة، قابضة تعمل على قطع نزيف اللثة وتقويتها، كما تؤكد وجود مادة خردلية هي السنجرين Sinnigrin ذات رائحة حادة وطعم حراق تساعد على الفتك بالجراثيم.

وأكد الفحص المجهري لمقاطع المسواك وجود بلورات السيليكا وحماضات الكلس والتي تفيد في تنظيف الأسنان كمادة تزلق الأوساخ والقلح عن الأسنان. وأكد د. طارق الخوري  د. طار ق خوري:"مقالة عن السواك" مجلة وجود الكلورايد مع السيليكا وهي مواد تزيد بياض الأسنان، وعلى وجود مادة صمغية تغطي الميناء وتحمي الأسنان من التسوس، وإن وجود الفيتامين ج وثري ميتيل أمين يعمل على التئام جروح اللثة وعلى نموها السليم، كما تبين وجود مادة كبريتية تمنع التسوس د. محمد علي البار: "السِّواك" – دار المنارة – جدّة – 1994.

وفي بحث قدمه د. محمد رجائي المصطيهي وزملاؤه  د. محمد رجائي المصطيهي وزملاؤه: "استعمال السِّواك لنظافة الفم وصحته" المؤتمر العالمي الأول للطب الإسلامي – الكويت 1981 بينوا فيه احتواء المسواك على مادة شبه قلوية يمكن أن تكون السلفارورين،وعلى الثري ميتيل أمين، ونسبة عالية من الكلورايد والفلوريد والسيستوستيرول، وعلى كمية قليلة من الصابونين والفلافونيد، وأثبتوا لمحاليل الأراك تأثيراً موقفاً لنمو الجراثيم،لوجود مادة كبريتية، ولأن الثري ميتيل أمين يخفض الأسّ الهدروجيني، مما يجعل فرص نمو الجراثيم قليلة، كما أن السيستوسترول يعمل مع الفيتامين ج على تقوية الشعيرات الدموية المغذية للثة وعلى حمايتها من الالتهاب.

وفي بحث قدمه د. عبد الرحيم محمد مع البروفسور جيمس ترنرد. عبد الرحيم محمد ود. جيمس ترنر: "مقالة عن السواك" في مجلة  أكدوا فيه أهمية الكبريت والسيستروسترول الموجودتان في المسواك كمواد قاتلة للجراثيم، وعلى وجود ثاني فحمات الصوديوم وأهميتها في تنظيف الأسنان د. محمد علي البار: "السِّواك" – دار المنارة – جدّة – 1994. وأكد بحث آخر صلاح الحنفي: "السِّواك" رسالة جامعية – جامعة دمشق – 1962 وجود مادة عطرية ذات رائحة مستحبة تطغى على الرائحة الكريهة التي يمكن أن توجد في الفم.

وفي قسم العلوم السنية في جامعة الملك سعودد. علي الرغبان وزملاؤه: "السِّواك في ميزان الصيدلة" دار فصلت – حلب 1997  أجريت دراسة حول تأثير مادة البنـزيل إيزو تيوسيانات التي تمَّ عزلها من جذور الأراك على فيروس الحلأ البسيط.

وأشارت النتائج أن لهذه المواد خواصَّ قاتلة لهذا الفيروس وبتركيز 133.3 مكروغرام/مل، مما يشير إلى إمكانية السيطرة على إصابة الفم بالحلأ البسيط عند استعمال السِّواك وفي الوقاية من نكسه المتكرر.

وأثبتت دراسة حديثة (1988) أجريت في جامعة أنديانا الأميركية، أن لهذه المادة [بنـزيل إيزو تيوسيانات ] أثراً مهماً في تثبيط المكورات العقدية، وربما تكون مفيدة في خفض فرص حصول النخور السنية د. علي الرغبان وزملاؤه: "السِّواك في ميزان الصيدلة" دار فصلت – حلب 1997

والباحثون الذين درسوا السواك يفضلونه على فرشاة الأسنان د. علي الرغبان وزملاؤه: "السِّواك في ميزان الصيدلة" دار فصلت – حلب 1997  و   صلاح الحنفي: "السِّواك" رسالة جامعية – جامعة دمشق – 1962       فهو يقوم مقام فرشاة ومعجون بآن واحد، فهو (فرشاة) بأليافه الدقيقة الجيدة والمناسبة للتنظيف، وهو (معجون) بما فيه من مواد مطهرة، وأخرى زالقة ومنظفة كبلورات السيليس والحماضات، ومواد صمغية وعطرية وغيرها.

فالمسواك كمنظف آلي يزيل بقايا الطعام من بين الأسنان ويزيل القلح، ويمتاز عن الفرشاة بإمكانية تحضيره بالقساوة والثخانة المناسبتين، وذلك بواسطة تفريق أليافه قليلاً أو كثيراً،كما يمتاز بعدم تخريشه للثة.

وهكذا يمكننا اعتبار المسواك، الفرشاة الطبيعية المثالية، والمزودة بمعجون ربّاني، من موادّ مطهرة، ومنظفة تفوق ما تملكه معاجين الأسنان الصناعية من مواصفات، ولعل أهمها أن المعجون المطهر لا يستمر تأثيره أكثر من 20 دقيقة ثم يرجع الفم إلى حالته العادية، لكن من المنتظر بعد استعمال السِّواك ألا يعود مستوى الجراثيم الفموية إلى حالته إلا بعد ساعتين على الأقل د. عزت أبو شعر: "السِّواك" رسالة جامعية – دمشق 1974.

المصدر موقع العلم لأجل الإسلام