العلوم المشفرة في القرآن 12-

- فك التشفير -

كنا قد تأملنا في مقال سابق دقة العبارة القرآنية التي تصف حال أهل النار في سورة ابراهيم عليه السلام وكيف أنها حوت وصفاً مشفراً دقيقاً عن خلاصات مهمة مركزة في علوم مكافحة وباء التبغ وقد اصطلحنا سابقاً على تسمية الإشارات العلمية المستنبطة من تلك الإشارة  ( علم التبغان ) حيث قال تعالى في سورة ابراهيم :

وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ {49} سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ {50} لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {51} هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ {52}‏ - سورة ابراهيم-

وقبل أن نكمل فك الشفرة نحتاج أن نحدد مفهوم هذا المصطلح الجديد واتجاهاته وفلسفته أي ( علم التبغان ) فما هو "علم التبغان" تعريفاً واصطلاحاً :

 تعريف علم التبغان :

هو علم من علوم نهضة الأمة ويأتي دوره نابعاً من ضرورة عن قيام الأمة الإسلامية  بدورها الحضاري معتمدة على قراءة عصرية لتراثها العلمي ضمن رؤيتها التميزية في قالب هويتها الإسلامية بحيث يصلح أن يكون نموذجاً لباقي العلوم التي يعتمد عليها نهوض الأمم وكيفية استغناء الأمة بما تملك عبر دخولها سباق العلوم والإبداعات والاختراعات بتطوير قدراتها الذاتية واستثمارها الأقصى وذلك  بالاعتماد المرحلي على  ما يقدمه العالم من بحوث واكتشافات لتشق طريقاً مستقبلياً خاصاً بها يحولها من مرحلة الاستهلاك العلمي إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي ثم التصدير الحضاري .

وعلم التبغان يشمل اصطلاحاً  كل ما قدمت المعارف البشرية والبحوث المعاصرة في قراءة مفلترة تستبعد العلوم التي أدمجت فيها عقائد تغريبية عن عقائد المسلمين وهو يعاكس  ما قامت به الأمبرطورة هيلانة الاسبانية يوم أحرقت كتب الأندلسيين الفكرية وأخرجت منها ما يناسب عقائدها فقط  من علوم تطبيقية مع قراءة إسلامية تقتبس وتستثمر قيم الإسلام الوقائية والتربوية لعلاج داء التدخين الذي يعد وباءاً أخلاقياً وسلوكياً  بالمقام الأول وتستخدم مخزونه التراثي في مجال الوقاية والعلاج من الإدمان بعد تفعيل القراءة المستمرة الوقتية الحالية لما تنتجته البحوث العالمية لاستشراف ( الرؤية الحضارية المعاصرة ) لعلم مكافحة التبغ والتركيز على ما يصلح أن يكون جسراً مستقبلياً للبشرية عامة من حصيلة التفاعل بين تلك العلوم المدمجة معاً (أي مصطلح  تنافس الحضارات لا حروبها واصطدامها في مجال شريف يقرر صلاحية المجتمعات البشرية وأهليتها للقيادة  بما تقدمه من خدمات للحضارة الإنسانية لا بما تقدمه من تقنيات عسكرية وإبادة وحروب )  .

أما فك الشيفرة القرآنية بحسب فهمي المعاصر لعلوم مكافحة التبغ فهو الآتي :

أما قول الله تعالى :

(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ)

 

 

وَتَرَى : الرؤية مدخل الوباء الأول إلى سلوكيات الإنسان وسر انتشاره عالمياً  فهو وباء بشري ينتقل بالإعلان والإعلام كما عرفته منظمة الصحة العالمية وابتداء استعمال القرآن للفظة ( ترى ) هنا له دلالة عميقة في توصيف الداء والدواء لواضعي السياسة الصحية واستراتيجيات مكافحة التبغ في العالم مستقبلياً وهو إعجاز قرآني يشابه عندي الوقع الوجداني العميق في ابتداء القرآن بكلمة ( اقرأ ) وما حوته هذه الكلمة من حلول هائلة لمشاكل عظيمة تهدد وجود الإنسان وحضاراته على هذه الأرض ( ومنها التحديات الصحية له)  ودلالة القرآن على أن الإسلام حضارة فكر لا حضارة شهوة .

 

وفهمنا من تلك العبارة أن كون العين والرؤية هو مدخل الوباء السلوكي للفرد والمجتمعات كاف لاستيعاب الكثير عن هذا الوباء لأن التقديم في اللفظ لغوياً يدل في القرآن عموماً على أولوية المسألة ( وكمثال تقديم ذكر الزانية على الزاني لتسببها عموماً وتقديم السارق على السارقة لجرأة الذكر على ذلك أكثر ) وهكذا.

 

ومن عظمة هذا الابتداء في التعبير القرآني أنه يؤكد ومن ثم يدلنا على أهمية التشريعات الدولية الصادرة بحظر الإعلان عن منتجات التبغ في وسائل الإعلام الجماهيري و يدلل على أهم فلسفات وسائل الوقاية وارتيادية ( استراتيجية ) الوقاية من الوباء السلوكي وذلك بحظره عن الوصول إلى " البصر " من خلال تشريعات منع التدخين أمام الأطفال ( تشريع حديث يغرم سلوك التدخين المعدي أمام الأطفال ) وتشريعات تضيق أماكن التدخين العامة وخاصة حظره في أماكن التجمعات والدوائر الحكومية والمدارس والجامعات وغيرها.

ومن ثم وضع أماكن قميئة للتدخين بحيث يقرف المدخن من التدخين ولا يستحسن الناس تلك العادة عند رؤيتهم للمدخن المسجون في غرف رديئة المظهر  ( تغيير القبول الاجتماعي ) وهو محور سياسة مكافحة التدخين في الغرب . .

 

وللتعرف على مصداقية المثال القرآني ومطابقته الدقيقة لحقيقة وباء تعاطي التبغ وخاصة السجائر ( المصطلح الحديث للتدخين وهو يشمل كل أنواع التدخين من شيشة وبايب وسيجارة وشمة إلخ ..) دعونا نتأمل  قليلاً هذه الإشارات الدقيقة لوبائية التبغ عبر البدء بالبصر ( إشارة للإعلان والإعلام ودوره في التسبب) ثم لنتأمل لفظة "أصفاد " ولنقارنها مع ملايين الدولارات التي تصرفها شركات التبغ مؤخراً على تطوير منتج إدماني أقوى بجرعة ابتدائية أقل  ..

.ثم لننظر كلمتي ( سرابيلهم من قطران ) ولنقارنها مع حال المدخن الذي لا يفارق سرابيله ( قميصه)   وثغره" فمه" روائح القطران الخبيثة وتستمر تلك الروائح مع حياة المدخن حتى يفارق الحياة أو التدخين ..

ثم لندقق لفظة " يغشى" ودلالة قرب النار وعدم حرقها للوجه لنتأكد أكثر من حقيقة قول الله تعالى في سورة الكهف :

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً {54}

د / رامي محمد ديابي

2-8-1426

 اقرأ :

تشفيرات وتأصيلات معاصرة علمية في القرآن جديدة مثال آخر ( مقا ل من موقع د / جميل الدويك )