1- الخنازير المؤنسنة.. هل تحل مشكلة نقل الأعضاء؟‍


08/01/2002
طارق قابيل


احتل نبأ استنساخ خمسة من صغار الخنازير المعدَّلة وراثيا والتي يمكن استخدام أعضائها لزرعها للبشر ـ قائمةَ الأحداث العلمية التي تناولتها وكالات الأنباء العالمية والعربية خلال الأسبوع الماضي. وزاد من احتفاء وكالات الأنباء بهذا الحدث طرافةُ الخبر؛ حيث أكدت شركة "بي.بي.ال. ثربيوتيكس" الإسكتلندية، صاحبة هذا الإنجاز العلمي أن الخنازير الخمسة وُلدت يوم عيد الميلاد (25 ديسمبر 2001م) في الفرع الأميركي للشركة في ولاية "فرجينيا" الأمريكية، وأطلق على الخنازير أسماء: "نويل" و"إنجل" و"ستار" و"جوي" و"ماري"، وهي أول خنازير تولد بدون المورثة التي تحول دون عمليات الزرع لدى البشر، بحسب ما أفادت الشركة.
ولم تهنأ الشركة الإسكتلندية بنجاحها العلمي وتفوقها التجاري؛ حيث احتدم الجدل العلمي والتنافس الإعلامي بعد أيام من إعلان الشركة؛ وبعد أن أعلن علماء في فريق علمي أمريكي آخر تابع لجامعة "ميزوري" بولاية "كولومبيا" أنهم نجحوا في استنساخ خنزير نزعت من خلاياه جينة تتسبب في رفض جهاز المناعة في جسم الإنسان للأعضاء المنقولة من الخنازير، ويتميز هذا الخنزير بصغر حجمه، وبالتالي بصغر حجم أعضائه، وهو ما يمثل خطوة مثيرة نحو إنتاج أعضاء يمكن زرعها للإنسان. وقال العلماء إنهم سبقوا الفريق الإسكتلندي في تحقيق هذا الإنجاز العلمي، فقد ولدت الخنازير المستنسخة الأمريكية قبل ثلاثة أشهر من مولد الخنازير الإسكتلندية، ويشهد على ذلك ما أفادت به دراستهم العلمية التي نشرت في العدد الأخير من مجلة "ساينس" الأميركية.
قام الفريقان بتعديل الخنازير المستنسخة وراثيا للتمكين من زرع أعضائها الداخلية في أجساد البشر عن طريق إبطال مفعول أحد الجينات التي تؤدي لرفض الجسد البشري لما يُزرع داخله من أعضاء الخنازير. وهناك اختلافات بين الخنازير الأمريكية ونظيراتها الإسكتلندية، فالخنازير الأمريكية أصغر حجما؛ ليتناسب حجم أعضائها مع حجم أعضاء الجسم البشري.

 


الخنازير المؤنسنة.. تطور مثير


وفي واقع الأمر، فإنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها استنساخ خنازير معدَّلة وراثيا لهذا الغرض؛ حيث تم ذلك في العام قبل الماضي، ولا يعد هذا النجاح الجديد سوى حلقة في سلسلة التجارب الطويلة التي تُجرى حاليا في مجال علمي يعرف بتقنية "زينوترانسبلانتيشن" Xenotransplantation ويعني هذا المجال البحثي تقنية "نقل الأعضاء من أجسام غريبة"، وتُستخدم فيه الخنازير المعدلة جينيا كمزارع للأعضاء البشرية. وتُعرف الخنازير المستنسخة المعدلة وراثيا التي تنتج أعضاء تصلح للزراعة في أجساد البشر بخنازير نقل الأعضاء للبشر، والتي يمكن نقل خلايا أو أعضاء منها للبشر دون أن يرفضها جهاز المناعة البشري، وتصف بعض وسائل الإعلام الخنازير المنتجة بهذه الطريقة بالخنازير المؤنسنة.
وكان الفريق العلمي في معهد "روزلين" في "أدنبره"، الذي يعمل تحت قيادة البروفيسور "إيان ويلموت" رئيس الفريق الذي أشرف على استنساخ النعجة دوللي (1997م)، قد نجح في التوصل إلى طريقة خاصة لإزالة جينات محددة من أعضاء الخنازير ليتقبلها جسم الإنسان. وبالرغم من النجاح الكبير في القضاء على مشكلة رفض جهاز المناعة في جسم الإنسان للأعضاء المنقولة من الخنازير المعدلة وراثيا فإن هذا المشروع أصيب بانتكاسة مفاجئة. واُضطر الفريق العلمي إلى وقف مشروع استنساخ الخنازير المعدلة وراثيا لأغراض طبية بسبب قيام مؤسسة "جيرون بايو ميد" الطبية بالتخلي عن هذا المشروع، وانسحبت من تمويله لأنها تخشى من انتقال الأمراض إلى الإنسان بواسطة هذه الأعضاء الجديدة.
وبعد أن توقف هذا المشروع، أعلنت شركة "بريساجين" الأسترالية أنها استنسخت أول خنزير لاستخدام أعضائه في الجسم البشري من خلايا جمدت في نيتروجين سائل لأكثر من عامين.
وتعد شركة "بي.بي.ال. ثربيوتيكس" PPL Therapeutics الإسكتلندية، صاحبة الإعلان الأخير، رائدة في مجال استنساخ الخنازير؛ حيث قامت بأول تجاربها الناجحة في ربيع عام ألفين. وكانت هذه الشركة البريطانية التي شاركت في استنساخ النعجة "دوللي" قد أعلنت في أبريل 2001 م عن إنجاز سبق عالمي يتمثل في استنساخ خمسة خنازير تحمل علامة وراثية في خطوة أولى نحو إنتاج أعضاء تُزرع لدى البشر وتعويض النقص في المتبرعين. وبعد ذلك بشهر واحد أعلنت شركة "إنفيجين" للتقنية الحيوية في استنساخ خنازير "مؤنسة" تحتوي على جينات بشرية لحضها على تكوين أعضاء بشرية. وأكدت الشركة أن التقنية التي قامت بتطويرها صالحة للاستخدام في مجال نقل الأعضاء من الخنازير للإنسان وأنها ستحد من خطر انتقال الأمراض المشتركة بين الخنزير والإنسان. ثم توجت شركة "بي.بي.ال. ثربيوتيكس" نجاحها بإعلانها عن مولد الخنازير الخمسة في 25 ديسمبر الماضي.


وجهات نظر متعارضة



خنزير مؤنسن


من المعروف أن استخدام صمامات قلب من الخنازير لدى الإنسان جار منذ قرابة 30 سنة، كما أن هناك حوالي 24 من الأنسجة الضامة (الجلد، العظم) من الخنازير أو الأبقار المستخدمة في العمليات الطبية على نطاق واسع. ويُقدر سوق هذه العمليات بحوالي 5 مليارات دولار فقط للأعضاء الكاملة.
وقالت شركة "بي.بي.ال. ثربيوتيكس": إن أهمية التعديل الوراثي تكمن في أنها تبشر بإمكانية إيجاد "مخزون" من الأعضاء الحيوانية القابلة للزرع في جسم الإنسان دون أن يتم رفضها، وقالت الشركة: "إن من شأن ما توصلت إليه أن يحدث ثورة في طب زراعة الأعضاء، وأن يمهد السبيل أمام علاج أمراض مثل الزهايمر والشلل الرعاش والسكري". ومن المعروف أن بعض أعضاء الحيوانات لا سيما أعضاء الخنازير القريبة جدا من أعضاء البشر تحتوي على جين ينتج بروتينا يتسبب في رفض جسم الإنسان للعضو المزروع.
وتسعى الشركات إلى إجراء تعديلات جينية في الخنازير حتى لا يرفض جهاز المناعة في جسم الإنسان الأعضاء المنقولة إليه منها. كما تحاول بعض الشركات نقل الجينات البشرية التي يتم التعرف عليها والتي يمكن أن تنتج أعضاء بمواصفات خاصة تصلح للبشر.


وتعتبر الشركة أن التطبيقات الأولى لهذه التقنية قد تتعلق بداء السكري وتهدف إلى زرع خلايا تنتج مادة الأنسولين. وقام علماء جامعة "ميزوري" بنفس العمل، واستطاعوا التحكم في نمو الخنزير بحيث تتناسب أعضاؤه مع أعضاء الإنسان. وعندما تنجح شركة من الشركات في تحوير أحد الخنازير وراثيا للحصول على عضو ما، كالقلب أو الكلى، فيصبح هذا الخنزير كالكنز أو كالدجاجة التي تبيض ذهبا. لكن الحيوان المعدَّل لا يستطيع نقل خصائص الأعضاء البشرية عن طريق سلالته؛ إذ يُفقد هذا التحوير الوراثي من جراء التزاوج؛ ولهذا تلجأ الشركات لاستنساخ مثل هذه الخنازير للحصول على نسخ طبق الأصل تصلح جميعها لأداء هذه المهمة الصعبة.
ويلقى هذا الاتجاه العلمي تشجيعا ماليًّا كبيرا من بعض المؤسسات والجمعيات الأهلية الأمريكية والأوروبية لتصنيع قطع غيار حيوانية صالحة لجسم الإنسان عن طريق استنساخ الخنازير المحورة وراثيا، بالرغم من وجود بعض المخاطر المتوقعة مثل احتمال نقل أعضاء الخنازير لعدة أمراض للإنسان، لا سيما وأنه من المعروف أن ثمة أمراضا مشتركة بين الحيوان والإنسان، مثل السل والطاعون والإيدز، والعديد من الأمراض الفيروسية الأخرى.


وتدافع بعض الهيئات والشركات عن تقنية استنساخ الخنازير المعدلة وراثيا، ويؤكدون على أنها البديل السريع المتاح حاليا لتلافي النقص الحاد في الأعضاء البشرية لندرة التبرع بها وصعوبة تداولها بعد موت المتبرع. كما يعتبرونها الحل الوحيد القابل للتحقيق في غضون السنوات القادمة، ويؤكدون على أنها المرشح الوحيد لإنقاذ حياة البعض من ملايين البشر الذين يموتون سنويا وهم ينتظرون تبرع أصحاء أو موتى بأعضائهم لإجراء جراحات زرع الأعضاء؛ إذ إن هناك حوالي 60 مليون شخص في العالم بحاجة إلى زراعة عضو واحد على الأقل من أعضاء الجسم. في حين أن نسبة من يحتمل أن تنقل لهم أعضاء بشرية من ضمن هؤلاء تقل عن واحد في المائة. وبالتالي من الممكن أن توفر الخنازير التي تجري عملية استيلادها بطريقة خاصة، الأعضاء اللازمة على أساس إنتاجها بالجملة. وتشير الإحصاءات إلى أن هناك نحو 6500 مريض في بريطانيا وحدها ينتظرون العثور على متبرعين بالأعضاء. وبحسب الإحصاءات فلن تتوفر أعضاء بشرية مناسبة إلا لثلث هذا العدد فقط. ومن الجدير بالذكر أيضا أنه يوجد حوالي 80 ألف أمريكي ينتظرون توفر أعضاء بشرية للقيام بنقلها إليهم. *

 

ويموت 15 شخصا يوميا وهم في انتظار توفر هذه الأعضاء. ويتوقع أن يقضي الآخرون نحبهم وهم ينتظرون وجود متبرعين بالأعضاء؛ لأن ملايين المرضى في العالم ينتظرون لمدة تصل لعدة سنوات لتوافر أعضاء بديلة من متبرعين توافيهم المنية وهم ما زالوا على قائمة الانتظار. ويعتقد العديد من الأطباء أن بإمكان الخنازير المهندسة وراثيا سد هذا العجز الشديد في الأعضاء البشرية.
ويتيح النجاح في زرع عضو حيوان لدى الإنسان الحصول على العضو في حال جيدة في الوقت اللازم؛ وهذا يعني إلغاء أشهر الانتظار التي تتدهور خلالها صحة المريض وحالات التدخل العاجلة عندما يتوفر عضو إثر حادث؛ ولذا فإذا أمكن استخدام أعضاء الخنازير كبديل للأعضاء البشرية؛ فسيكون هذا بمثابة تطور مهم للغاية. كما أنه من المحتمل ألا تقتصر زراعة ونقل الأعضاء على الأعضاء الكاملة مثل القلب، ولكن من الممكن أيضا أن يتم نقل الخلايا مثل الخلايا التي تقوم بإفراز الأنسولين؛ حيث من الممكن أن تساعد في شفاء مرضى السكري. وبالمثل فإن الخلايا الأخرى من الممكن أن تساعد في محاربة مرض الشلل الرعاش، والزهايمر، أو خرف الشيخوخة.


سباق استنساخ الخنازير والمخاوف الأخلاقية


هناك سباق بين شركات الأدوية لتطوير هذه التقنية، لكن مخاوف صحية وأخلاقية كثيرة تحيط بالأبحاث في هذا المجال. ومن بين تلك المخاوف ما حذر منه بعض العلماء من أن نقل أعضاء الخنازير للبشر يمكن أن يؤدي لنقل جراثيم وبالتالي ظهور أمراض بين البشر لم تعرف من قبل. وعلى الرغم من هذه المخاوف المثارة حول الموضوع، فقد أكد الفريق الأمريكي أن الخنازير التي قام باستنساخها أنتجت بعناية فائقة لتفادي انتقال أي أمراض للبشر.*  وتعهد العلماء بأن أعياد الميلاد المجيدة التي شهدت مولد الخنازير الخمسة المستنسخة تعد بإحداث ثورة في عالم الطب! *


من الجدير بالذكر أن الصراع في هذا المجال التقني الحديث بلغ أشده الآن؛ حيث تتبارى شركات التقنية الحيوية العالمية على ابتكار التقنيات الجديدة والحصول على براءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية للفوز بقصب السبق في هذا المجال. ويساعد إغراء الربح السريع لدى الشركات الأخرى على إذكاء روح المنافسة في هذا المجال، ويُؤدي إلى سرعة تطبيق هذه التقنية دون دراسات كافية بدعوى الرحمة وتحت دافع الحاجة الملحة للمرضى. ويؤكد ذلك أن تكلفة عملية استيلاد الخنازير الخمسة المشهورة قد وصلت إلى 25 مليون دولار أميركي، كما أن عملية نقل قلب من أحد هذه الخنازير إلى جسم الإنسان ربما يتكلف 1.8 مليون دولار.
وإذا أخذنا في الاعتبار إحصائيات منظمة الصحة العالمية، فإن متوسط الإنفاق على الصحة في أفقر 60 دولة في العالم يُقدر بـ 13 دولارًا للفرد في العام. وطبقا لتقارير المنظمة، فإن زيادة هذا المبلغ إلى 34 دولارا ستساعد على تجنُّب مئات الملايين من وفيات كُتِب لها أن تكون سابقة لأوانها.


ولكن التجارب التي تقام حاليا والتي تتضمن حتى أبسط عمليات زراعة ونقل الأعضاء لمساعدة مرضى السكري لن تبدأ قبل خمس سنوات من الآن. وأثار الإعلان عن إصابة "النعجة دولّلي" بداء المفاصل، منذ عده أيام، المخاوف من جديد من تعرض الحيوانات المستنسخة للشيخوخة المبكرة، كما أثار المخاوف من مخاطر الاستنساخ البشري وخطورته على زرع أعضاء حيوانية لدى الإنسان على المدى القصير. ويتوقع المراقبون أن هذه التجارة المربحة ستزدهر برغم العقبات، وستتواجد مزارع للأعضاء البديلة للأعضاء البشرية، على الرغم من دعوة العديد من العلماء بالتوقف عن هذا العبث الذي لا تُحمد عقباه والاهتمام بتوفير الرعاية الصحية أولا.


اقرأ أيضا:


 


 ملاحظات :

 * كما يبدو جلياً أنه في الموضوع ارتباط وخلفية دينية وانتصار عند القوم لعقيدة النصرانية في وجه الإسلام  وهو موضوع بحثي يحركه إيمان النصارى بمعتقداتهم ويبدو أنه فشل فشلاً ذريعاً ..

* رائحة عباد الذهب هنا واضحة !! وإذا دخل التجار من الباب خرج العلم من النافذة في الغرب !!

* هذا مبرر تجاري  لا أخلاقي إضافي لإقامة الحروب الحالية كما ذكرنا عن تجارة الأعضاء السوداء الحالية في العراق .

* الأثر النبوي ( الطواعين التي لم تعرف في سالفيهم هعو ترجمة الوحي لهذه القضية )

* اقرأ مقال سباق العلم والقرآن لتعرف المنتصر في السباق

المحرر 12 شوال 1426